س-ن-ن بالعربية - 11/29/2025 2:35:05 PM - GMT (+3 )
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- عيناها كبيرتان ومبتسمتان، وأذناها بارزتان، وتتحدّث بثرثرة مرحة لطفلة في السابعة من العمر.
ترتدي بعض الدمى فساتين وردية مع ضفائر، فيما تكتفي أخرى بقمصان زرقاء وربطة عنق على شكل فراشة. لكنها ليست بمثابة أحفاد تقليديين، بل دمى مصنوعة من القطن والمعدن، تعمل بالذكاء الاصطناعي، ونُشرت كحل مفاجئ لأزمة الصحة النفسية لدى كبار السن في كوريا الجنوبية.
يموت في كوريا الجنوبية، يوميًا، نحو 10 من كبار السن انتحارًا.
يعكس هذا العدد، الوارد في تقرير مقلق نُشر، في يونيو/حزيران 2025، في مجلة الجمعية الطبية الكورية، اتجاهًا مستمرًا ومثيرًا للقلق عبر شرق آسيا. فقد وثّقت أماكن مثل اليابان وهونغ كونغ، منذ سنوات، معدلات انتحار مرتفعة بين كبار السن. لكن الوضع في كوريا الجنوبية يُقلق السلطات المحلية تحديدًا، حيث يُدرج العدد بين أعلى المعدلات في العالم المتقدّم، والأعلى بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
قد يهمك أيضاً
وصّفت أوثيليا إي لي، أستاذة الخدمة الاجتماعية في جامعة نورث كارولاينا بشارلوت، التي درست العزلة الاجتماعية بين كبار السن في كوريا الجنوبية، "إنها أزمة حقيقية"، مضيفة أنّ "البلد يُصنَّف كمجتمع فائق الشيخوخة، يضمّ أكثر من 10 ملايين شخص تبلغ أعمارهم 65 عامًا وما فوق، وهم يمثلون الآن خُمس عدد السكان".
وتابعت "حصل هذا بسرعة كبيرة لدرجة أن الحكومة الكورية لم تحظَ بالوقت الكافي، لإنشاء نظام تقاعد ودعم مناسب. وليس خيارًا تركهم يكافحون وحدهم".

يواجه كبار السن في كوريا الجنوبية محنة غير مسبوقة، بعدما أدّى التحوّل الاقتصادي السريع في البلاد إلى تغيير جذري في النسيج الاجتماعي التقليدي.
شرحت لي أنه "أصبح لدينا اليوم، عدد أقل من الأسر الممتدة عبر أجيال متعددة، ودعم عائلي أقل، ما يترك واحدًا من كل ثلاثة من كبار السن في كوريا الجنوبية يعيشون بمفردهم". مضيفة أنّ "هذا العزل يساهم بشكل مباشر في تفاقم الضغوط المالية، والوحدة العميقة، والشعور بأنهم عبء على الآخرين، وهي ظروف ترتبط مباشرة بالاكتئاب والانتحار".
وفيما يكافح نظام الصحة العامة المثقل لمواكبة هذا التحول الاجتماعي، بدأت الحكومة الكورية الجنوبية، أخيرًا، باللجوء بشكل متزايد إلى شركات التكنولوجيا لمعالجة "أزمة كبار السن الكورية" وسد فجوة حرجة في كوادر الرعاية الاجتماعية.
فتح ذلك الباب أمام شركات مثل "هيودول"، وهي منصة رعاية صحية وبيوت ذكية تعمل بالذكاء الاصطناعي، وتتمحور حول روبوت على شكل دمية يُمنح لكبار السن الذين يعيشون بمفردهم. ويرتبط الروبوت بتطبيق على الهاتف ومنصة مراقبة عبر الويب، تتيح لأفراد العائلة أو مقدّمي الرعاية متابعة الحالة عن بُعد.
قد يهمك أيضاً
يؤدي النظام غرضًا مزدوجًا. فالروبوت يقدّم دعمًا عمليًا، من تذكير بتناول الأدوية إلى التنبيهات الطارئة، فيما يسمح للعاملين الاجتماعيين بتسجيل المعلومات اليومية مثل أوقات الوجبات عن بعد. لكن أكبر فائدة قد تكون عاطفية.
عامل "اللطف"صُمّم الروبوت على شكل دمية ناعمة قابلة للعناق بطول 38 إلى 50 سنتيمترًا، وتستجيب للمس على الرأس أو الإمساك باليد. كما تقدّم دردشة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تتحدث بنبرة طفل في السابعة من العمر، وتقدّم الموسيقى، والمحادثة، وتمارين معرفية. لكن ميزتها الأقوى هي الأبسط: التحية التي تنتظر كبار السن عند عودتهم إلى منازلهم: "جدتي/جدي، انتظرت عودتك طوال اليوم".
وأوضح جيهي كيم، الرئيس التنفيذي لشركة هيودول أنّ "التصميم اللطيف والمريح لهيودول كان أساسًا في فعاليته، فالمظهر الشبيه بالطفل يُسهًّل بناء رابطة وثقة مع كبار السن. كما أنّ لطفه يُسهّل عليهم تعلم استخدامه، فهم غالبًا ليسوا بارعين بالتكنولوجيا".
وبحلول تشرين الثاني 2025، جرى توزيع أكثر من 12,000 روبوت هيودول على كبار السن الذين يعيشون بمفردهم في أنحاء كوريا الجنوبية، مع توزيع أغلبها عبر برامج الحكومة والرفاهية العامة.
وأضاف كيم أن حوالي 1,000 روبوت آخر تم شراؤها مباشرة من قبل العائلات، ويبلغ سعر أحدث نموذج حوالي 879 دولارًا.
قد يهمك أيضاً
بالنسبة لعاملة اجتماعية، طلبت عدم الكشف عن هويتها لتتحدث بحرية عن تجاربها مع كبار السن، فإن فوائد الروبوت تستحق الثمن. وتستذكر امرأة مسنّة كانت "مكتئبة جدًا" وكانت تحت رعايتها، إذ قبل حصولها على هيودول، "كانت تحدّق من شرفة شقتها في الطبقة الحادية عشرة وتفكر بالانتحار". وكتبت ذلك عبر البريد الإلكتروني. وبعد إدخال الروبوت، قالت العاملة الاجتماعية إنها لاحظت تشكّل رابطة قوية، خفّضت بشكل كبير شعور المرأة بالوحدة واليأس.
هذه ليست حالة منفردة. ففي دراسة أجرتها لي في العام 2024، سجّلت عشرات من كبار السن وهم يلقّبون روبوتاتهم بأسماء حنونة، ويشترون لها ملابس أطفال، ويضعونها في السرير ليلًا. ولفتت إلى أن هذا التعلق المتزايد يرتبط بتحسّن الصحة النفسية، مستشهدة بدراسة أجرتها على 69 من كبار السن أظهرت أن المستخدمين شهدوا انخفاضًا في الاكتئاب وتحسنًا في الأداء المعرفي بعد استخدام هيودول لمدة ستة أسابيع.
وخلصت إلى القول "وجدنا أن المستخدمين الذين يعانون من ضعف إدراكي خفيف والذين استخدموا الروبوت بانتظام استطاعوا تأخير دخولهم إلى دور رعاية المسنين".
ليست للجميعمع ذلك، أثار التعلق العميق تساؤلات أخلاقية حول الاعتماد العاطفي وإمكانية تحويل الشخص إلى حالة طفولية؛ فاستخدام دمية شبيهة بالطفل تراقب أفعال وحركات الأشخاص قد يُنظر إليه، من قبل الخبراء وبعض كبار السن أنفسهم، على أنه يقلل من كرامتهم واستقلاليتهم. ومن الحالات التي لفتت انتباه كيم، امرأة مسنّة أطلقت على هيودول اسم ابنتها الراحلة، ومن ثم انسحبت من الحياة الاجتماعية لتقضي معظم وقتها مع الروبوت.
تعترف كيم أن "هيودول غير مناسبة للجميع"، مشيرة إلى أنه يجب أن تكون أداة دعم، وليس بديلاً عن الرعاية البشرية.
وأوضحت أنّ "كبار السن الذين يتمتعون باستقلالية جسدية وعقلية أكبر غالبًا ما يرونه 'مزعجًا' و'مثيرًا للإزعاج'. لهذا السبب يبلغ متوسط عمر مستخدمين هذه الدمية 82 عامًا، ولا يجذب عادة أولئك الأصغر سنًا والأكثر استقلالية".

وفي الغالب، تثير الأجهزة التي تجمع البيانات الطبية مخاوف بشأن الخصوصية والأمان، لكن كيم توضح بأن البيانات تُحوّل إلى شكل مجهول، مع إزالة التفاصيل التي تحدد هوية المستخدم، وأن تسجيلات الصوت تُستخدم فقط لأغراض التدريب الداخلي.
وبحسب دراسة نُشرت في العام 2020، في مجلة مرض الزهايمر، فإن الروبوتات الرفيقة أصبحت تُستخدم عالميًا بشكل متزايد لدعم كبار السن الذين يعانون من ضعف إدراكي. إلا أنّ الدراسة أشارت إلى أن الإرشادات الأخلاقية لم تواكب سرعة إدخال هذه التقنيات، وأنها تخلق تحديات محتملة حول الموافقة المستنيرة والخداع.
"حيوان أليف" بالذكاء الاصطناعيفي المقابل، ازدهرت في اليابان، التي تُعد رائدة أيضًا في روبوتات الرفقة، مقاربة مختلفة لا تُضفي طابعًا بشريًا على الروبوت المرافق. هناك، وجد روبوت "بارو"، وهو فقمة طفل علاجية، نجاحًا كرفيق أبسط وغير لفظي، مع الحفاظ على تصميمه الناعم والشمولي كالدمية.

"قد يشعر الناس أن التواصل اللفظي مع الروبوتات غير آمن، إذ يوجد خطر تسريب المحادثة للآخرين". وفق ما أوضح مبتكرها، الأستاذ تاكانوري شيباتا، لـCNN.
وأضاف: "لكن بارو، لأنه يشبه حيوانًا علاجيًا، يشعر المستخدمين بالأمان معه. وقد ثبتت فعاليته مع كبار السن المصابين بالخرف، والمحاربين القدامى المصابين باضطراب ما بعد الصدمة، والأطفال الذي يعانون من اضطرابات نمو"، مشيرًا إلى أن استخدامه المنتظم حسّن أعراض القلق والاكتئاب والاضطراب العصبي.
اليوم، يُستخدم روبوت الرفيق بارو في أكثر من 30 دولة، من اليابان إلى الدنمارك، وتوجد خطة لتوسع عالمي مماثل لهيودول. وتعمل الشركة الكورية الآن على تكييف الذكاء الاصطناعي مع الفروق الثقافية المختلفة استعدادًا لدخول السوق الأوسع، مع إطلاق تجاري مخطط له في 2026.
إقرأ المزيد


