س-ن-ن بالعربية - 11/9/2025 1:17:05 PM - GMT (+3 )
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- أثار شكل غريب في جنوب المحيط الهادئ، والذي شوهد من فناء خلفي لمنزلٍ يقع بولاية كاليفورنيا الأمريكية، أحدث محاولة لحل واحدة من أعظم الألغاز في التاريخ.
وكان المحارب البحري الأمريكي المخضرم مايك آشمور في منزله عام 2020، يتصفح صور الأقمار الصناعية لجزيرة صغيرة تُدعى نيكومارورو، حينما لمح جسماً غير متوقع في البحيرة الداخلية للجزيرة.
وتقع نيكومارورو بين أستراليا وهاواي، وتلعب دوراً محورياً في واحدة من نظريتين متنافستين تسعيان لتفسير ما حدث لرائدة الطيران الأمريكي الشهيرة أميليا إيرهارت وملّاحها فريد نونان، اللذين فُقدا عام 1937 أثناء محاولتهما الطيران حول العالم.
وقد أسرت حادثة اختفائهما الباحثين لعقود طويلة، وظلت تثير اهتمام آشمور، الذي استهواه الاعتقاد بأن الطيّارة الأسطورية انتهى بها المطاف على شواطئ تلك الجزيرة.
وقال آشمور متذكراً اكتشافه الرقمي: "كنت أستخدم تطبيق خرائط آبل على هاتفي الآيفون. كنت أجلس على أرجوحة في الصباح أحتسي القهوة مع كلبي. في اليوم السابق كنت قد تجولت حول الجزيرة من الخارج، وفي ذلك الصباح بدأت أتفحص البحيرة، فلفت شيء ما انتباهي. عندها نظرت عن قرب أكثر والتقطت صورة للشاشة".
واعتقد آشمور أن ما رآه يشبه جناح طائرة، فشارك الصورة على منتدى إلكتروني شهير مخصص لأميليا إيرهارت تديره المجموعة الدولية لاستعادة الطائرات التاريخية (TIGHAR)، وهي منظمة تهتم بتاريخ الطيران وعلم الآثار.
وقد أثار الشكل المستطيل الظاهر في صور الأقمار الصناعية نقاشاً حماسياً بين الأعضاء، رغم أن بعضهم قال إنه على الأرجح جذع شجرة نخيل.
كما لفت الجسم الغامض انتباه عالم الآثار ريك بيتيغرو، وهو من عشّاق أميليا إيرهارت منذ زمن بعيد والمدير التنفيذي لمعهد الإرث الأثري في مدينة يوجين بولاية أوريغون، والذي قرر التعمّق في التحقيق بشأنه.
وقال إنه اكتشف أن هذا الالجسم الغامض، الذي أُطلق عليه لاحقاً اسم Taraia Object (جسم تارايا) في صور جوية أخرى التُقطت للبحيرة، بما في ذلك بعض الصور التي تعود إلى عام 1938.
وقال بيتيغرو: "وفقاً للأدلة التي نملكها الآن، سيكون من الإجرام ألا يذهب أحد إلى هناك ليتفحّص المكان".
والآن، يجري إطلاق بعثة استكشافية لتحقيق ذلك فعلاً.

وبقيادة بيتيغرو وجامعة بوردو في مدينة ويست لافاييت بولاية إنديانا، حيث كانت إيرهارت تعمل سابقاً في قسم الطيران، ستتوجه الحملة مباشرة نحو موقع جسم تارايا، على أمل أن تكشف عن جزء من طائرة إيرهارت.
وقد قال آشمور إنه كان ينوي الانضمام إلى الرحلة، لكنه اضطر إلى الانسحاب بسبب مرض أحد أفراد عائلته.
وكان من المقرر أن تنطلق البعثة من ماجورو في جزر مارشال في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني، لتبحر مسافة نحو 1200 ميل بحري إلى نيكومارورو.
وهناك، خطط الباحثون لقضاء حوالي 5 أيام على الجزيرة الصغيرة للتحقيق في هذا الجسم الغامض في البحيرة. ومع ذلك، صرّح بيتيغرو مساء الثلاثاء بأن البعثة تأجلت حتى عام 2026، دون أن يذكر سبباً للتأجيل.
وإذا تمكّن الفريق من العثور على ما يبحث عنه، فقد يؤدي ذلك إلى اكتشاف تاريخي. لكن فكرة أن إيرهارت انتهى بها المطاف كمنفية على جزيرة لا تزال بعيدة عن الإجماع العلمي، إذ يعمل فريق آخر من الباحثين بسرعة لإثبات تفسير بديل لما حدث.
نظريات متنافسةواختفت إيرهارت ونونان في 2 يوليو/ تموز 1937 أثناء بحثهما عن جزيرة هاولاند، الواقعة على بعد نحو 400 ميل (644 كيلومتراً) شمال غربي نيكومارورو.
وكانت جزيرة هاولاند محطة تزوّد بالوقود ضمن محاولتهما للطيران حول العالم، وهي الرحلة التي استحوذت على عناوين الأخبار العالمية وألهبت خيال الجمهور في ذلك الوقت.
وتشير إحدى النظريات، وهي النتيجة الرسمية التي خلصت إليها عمليات البحث الأمريكية الضخمة التي أُجريت فور اختفائهما، إلى أن إيرهارت ونونان نفد منهما الوقود، فتحطمت طائرتهما من طراز لوكهيد 10E إلكترا في المحيط الهادئ بالقرب من وجهتهما المقصودة.
هذه النظرية كانت الأساس للعديد من عمليات البحث على مر السنين، بما في ذلك محاولة أجرتها شركة "Deep Sea Vision" المتخصصة في استكشاف المحيطات عام 2024، والتي انتهت في النهاية إلى العثور على تكوينات صخرية تشبه شكل طائرة.
استناداً إلى تحليل جديد لاتصالات أميليا إيرهارت اللاسلكية في اليوم الذي اختفت فيه، تخطط Nauticos، وهي شركة مقرها ولاية مين ومتخصصة في استكشاف أعماق المحيط، لبدء بحث جديد في قاع المحيط بالقرب من جزيرة هاولاند العام المقبل.

وستكون هذه رابع محاولة تقوم بها الشركة لتحديد موقع الطائرة، لكنها تقول إن النتائج الجديدة قلّصت منطقة البحث بشكل كبير، ما قد يزيد من فرص النجاح.
أما بيتيغرو وآخرون، فيعتقدون أن إيرهارت ونونان هبطا بطائرتهما من طراز إلكترا بسلام على جزيرة نيكومارورو، التي كانت تُعرف آنذاك باسم جزيرة غاردنر. ويقترح أنصار هذه الفرضية أن الثنائي أطلقا نداءات استغاثة متكررة عبر راديو الطائرة طلباً للمساعدة، لكنهما توفيا لاحقاً عطشاً أو جوعاً.
ومع ذلك، فإن ما لا يقل عن خمس بعثات استكشافية إلى الجزيرة والمياه المحيطة بها منذ عام 2010 قد فشلت في العثور على دليل قاطع يثبت أن إيرهارت ونونان كانا من الناجين العالقين هناك.
وقد شارك بيتيغرو في إحدى تلك البعثات عام 2017، بينما تضمنت بعثة أخرى في عام 2019 مشاركة عالم المحيطات والمستكشف المقيم في "ناشونال جيوغرافيك" بوب بالارد، الذي اشتهر باكتشاف حطام سفينة تيتانيك عام 1985.
وتقول دوروثي كوكران، التي تقاعدت مؤخراً من منصب أمينة متحف الطيران والفضاء الوطني التابع لمؤسسة سميثسونيان، إن نظرية نيكومارورو تبدو أكثر منطقية من بعض التفسيرات الأخرى التي طُرحت على مر السنين لتوضيح اختفاء إيرهارت. (فقد اقترح فيلم وثائقي عام 2017 مثلاً أن إيرهارت ماتت سجينة لدى اليابانيين).
وتضيف كوكران أن الاحتمال الأرجح هو الأبسط، أي أن إيرهارت نفد منها الوقود وتحطمت طائرتها في المحيط الهادئ.
وقد أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اهتماماً متجدداً باللغز القديم هذا الشهر عندما أمر بالإفراج عن سجلات تتعلق بأميليا إيرهارت ورحلتها الأخيرة، رغم أنه ليس واضحاً ما الذي دفعه فجأة للتركيز على هذا الموضوع، أو حتى ما إذا كانت هناك سجلات فعلاً يمكن رفع السرية عنها.
وبحسب CNN، لم تُنشر أي سجلات جديدة حتى الآن.
ولفتت كوكران إلى أن الأرشيف الوطني الأمريكي يحتفظ بمعلومات متاحة للعامة حول عملية البحث عن إيرهارت ونونان، بما في ذلك آخر اتصالاتها مع السفينة "Itasca" التابعة لخفر السواحل الأمريكي، والتي كانت مكلفة بدعم رحلتها الجوية.
وأضافت كوكران: "كانت إيرهارت شخصية شهيرة للغاية في ذلك العصر، وكان الجمهور يتابع جميع رحلاتها باهتمام، وكانت تكسب رزقها من هذه الرحلات كامرأة في ثلاثينيات القرن العشرين، في وقتٍ لم تكن فيه هناك تقريباً أي فرص للنساء للعمل في مجال الطيران".
أميليا إيرهارت: الناجية المنفيةوتقع نيكومارورو ضمن ما يُعرف اليوم بجمهورية كيريباتي. وتبلغ مساحة الجزيرة حوالي 7 كيلومترات طولاً وكيلومترين عرضاً، وكانت غير مأهولة بالسكان عندما قامت إيرهارت ونونان برحلتهما الأخيرة. وقد سكنها الناس لفترة وجيزة بين عامي 1938 و1963 عندما شجّعت الإدارة البريطانية الاستعمارية آنذاك سكان جزر غيلبرت الجنوبية المجاورة على الانتقال والاستقرار فيها.
تستند فرضية "الناجية المنفية" إلى أعمال ريك غيليسبي، مؤسس منظمة TIGHAR ومؤلف كتاب عام 2024 بعنوان "رحلة جيدة أخرى: مأساة أميليا إيرهارت". وقد زار غيليسبي جزيرة نيكومارورو 11 مرة، حيث عثر على أدلة وشواهد محتملة مرتبطة باختفاء إيرهارت.
وبحسب رواية غيليسبي وبيتيغرو، فإنه بعد فشل إيرهارت في العثور على جزيرة هاولاند، اتجهت جنوباً وهبطت بطائرتها على الشعاب المرجانية الواسعة لنيكومارورو، التي تنكشف عند انخفاض المدّ.
وهناك، أطلقت مع ملّاحها نونان نداءات استغاثة، وعاشا على مياه الأمطار والأسماك والسلاحف التي اصطاداها لأيام وربما لأسابيع، إلى أن لقيا حتفهما.
ويُرجّح أن سرطانات جوز الهند العملاقة التي تعيش في الجزيرة التهمت بقاياهما، ولم تُبقِ سوى عظام قليلة، وبعض الأدوات.
ويقول غيليسبي وبيتيغرو إن هناك عدة مؤشرات تدعم هذه النظرية، من بينها إشارات الراديو التي التُقطت بعد اختفاء الطائرة، والتي أظهرت اتجاهات تقاطعت قرب نيكومارورو، رغم أنه لم يتم التأكد إن كانت تلك الإشارات صادرة فعلاً عن إيرهارت.
وعظام عُثر عليها في نيكومارورو عام 1940 أُرسلت إلى فيجي، حيث حدّدها طبيب بأنها تعود لرجل قبل أن تختفي لاحقاً، بحسب غيليسبي. لكن تحليل القياسات المسجلة لتلك العظام باستخدام برمجيات الطب الشرعي الحديثة يشير إلى أنها تعود لامرأة، وقد تكون مطابقة محتملة لإيرهارت.
إضافة إلى قطع أثرية عُثر عليها في الجزيرة، تشمل علبة مكياج مزودة بمرآة تشبه تلك التي كانت إيرهارت معروفة بحملها، وسكين قابلة للطي، وصندوقاً خشبياً يبدو أنه كان يحتوي على أداة مِلاحة من نوع السدس.
مع ذلك، لا يعتقد غيليسبي أن الجسم الذي حدده آشمور في البحيرة يعود لطائرة إيرهارت. إذ قال إنه زار الموقع داخل البحيرة حيث يوجد الجسم، ولم يلحظ أي شيء غير عادي هناك.
وقال غيليسبي: "عند النظر إلى صور الأقمار الصناعية اللاحقة، يظهر بالفعل شيء في ذلك المكان، لكنه من الواضح أنه شجرة، وتحديداً شجرة الباندانوس. هذه الأشجار تنمو على ضفاف البحيرة، وليس من الغريب أن تجرفها العواصف الكبيرة إلى الداخل أو الخارج".
وما زال غيليسبي يعتقد أن نيكومارورو هي المكان الذي قضت فيه إيرهارت أيامها الأخيرة، لكنه لا يظن أن هناك شيئاً جديداً يمكن العثور عليه في الجزيرة.
وأضاف: "الجميع يريد العثور على الطائرة، لكن الطائرة اختفت،
وتابع: "نعتقد أن الطائرة جُرفت إلى المحيط، على الأرجح في السابع من يوليو، وفقاً لأفضل تقديراتنا، ودُمّرت على الفور تقريباً بين أمواج البحر، بعدما تحطمت على حافة الشعاب المرجانية".

أما بالنسبة إلى بيتيغرو، فإن جسم Taraia يمثل القطعة الأخيرة من أحجية قد تحل لغز اختفاء إيرهارت. وقال إنه يعتقد أن الفريق سيعثر على حطام الألمنيوم لطائرة إلكترا الخاصة بها.
وعند وصولهم إلى الجزيرة، يخطط بيتيغرو وفريق مكوّن من 14 باحثاً لتصوير مقاطع فيديو وصور ثابتة قبل استخدام السونار وأجهزة قياس المغناطيسية للتحقق من طبيعة الجسم، وبعد ذلك فقط سيبدأ الباحثون الحفر باستخدام مضخة هيدروليكية.
وقال بيتيغرو: "أعتقد أن لدينا فرصة حقيقية لإعلان مثير".
وأضاف: "لقد راجعت الأدلة مراراً وتكراراً. وقد أجبت على عدد هائل من الأسئلة، واطلعت على كل الاعتراضات التي يمكن أن توجّه إليّ، ولدي إجابات لكل منها. إنها أدلة قوية للغاية".
إقرأ المزيد


