إيلاف - 11/6/2025 10:30:06 PM - GMT (+3 )

في ليلةٍ عاصفةٍ بالجنون
مشتعلةٍ بالسعير
حين ضاقَ صدرُك ذرعاً بوطنِك
أطللتَ بعيداً في الآفاقِ الزرق
ورسختَ قدميك بثبات
رافعاً مرساتَك، ناشراً شراعَك
يمّمتَ وجهَك صوب العِناد والإصرار
أيها البحارُ المتمردُ كريستوفر
هدئْ من روعك
يعتصرُني هاجسٌ أنك لا تعرفُ سلالم السموَّ
وذراهُ العالية
لا تدري أين يقيمُ المجد ويبني مناراته
طوال عنائك في البحر
كنتَ تتصيّدُ المالَ والخمر والنساء
في حواري "جنوة"
هجرتَ ربوعَك وأعددتَ سفنك
شاتماً روما والرّومانيين
باصقاً في وجه القياصرة
لتلحقَ بأميركا العاهرة الموسَّرة
فأنت تعشقُ لمَعانَ ذهَبِها
لستَ مهووساً بذيوع الصيت
يكفيك أن تملأَ خزائنك بالأصفر الرنّان
وتسوقُ أهلَها رجالاً أسارى
تبيعُهم كأرقّاء في سوق النخاسين
وتُسبي نساءَهم، تهتكُ عوراتهنّ
حتى تنتفخَ أوداجُك زهواً
وأنت تسوقهنّ إلى فراشِك المليء بالمثالب
اللائي ولدْن منك أجنّة سِفاحاً
ويوم يكبر نسْلُك النغل
ترميه في البحر كلوثةٍ مدنّسة
في مهْدٍ من الصُّلْب الثقيل
لكني أوقنُ أنهم سيطفون مجدداً
*******
ما ضرَّ لو أبقاك رفيقك الطامعُ "بنزون"
وقيّد رِجليك بحبل سفائنِك
كمّمَ فمَك وقطعَ لسانَك السليط
منعَك من الإبحار
كاسراً شوكةَ طموحِك الأخرق
ولتذهبْ أميركا وأولادها أبناء الزّناة
إلى ما وراء الظلمات
ما الذي أجّج الجمر في قلبك!
النساء الجامحات إلى الغواية؟
أم بريق الذهب وشهوته؟
ها هم أولادُك السِفاحُ يطلعون بهاماتهم
مع زبَدِ البحر الآسن
بصحبة مدمّراتِهم المعبأة بالحميم
ينتشرون كالطحالب السّامّة
يشيعون الفسادَ والخوف والموت
يخربون المعمورةَ بمعاولِهم وفؤوسهم الحادّة
يدخلون بيوتَنا، يفزعون صغارَنا
يجيشون علينا برفقة كلابِهم الشرسة
يلوّثون السماءَ بنفث دخانهم الأسود
وتهرعُ الطيور هاربةً من أعشاشها الآمنة
تغادرُ أضرحتَها
وتنزعُ ريشَها الملوّثَ بالسخام
وأرى النسائم الوديعة
تطلقُ ساقيها للريح
فزِعةً من أزيز أصواتكم
ألمحُ مدينتي تتعرّى من بردتها البيضاء
ينقر الخراب ثوبها، يمزقها إرباً إرباً
ويحك أيها الماجن الأهوج كريستوفر
ها قد أقبلت سفنُك
محمّلة بالملوّنين المُباعين
صفقة واحدة لنخّاسي "إيبيريا"
والعالَم العتيق كنِعالِكم
"نينا" امتلأت ذهباً
عُبِّئتْ في أكياس من العهر
"بنتا" اكتظّت نساءً سبايا
جميلات الطلعة بمعيّة توابيتهنّ
المصنّعة من خشب الدعارة
وصناديقها المقفلة
إلاّ "سانتا ماريا" اغرورقت عيناها بالدموع
منذ أن غادرت شطآنها وعبرت المجهول
أوه، "لوكاي" الشرّير
كم من الأشلاء تعلّقُ في المسالخِ باسمك!!
كم من البكارات تُفضُّ لأجل رضاك!!
ما الذي أوصلك إلى هنا؟
ألا تدري أنك أنبتَّ فينا شهوةَ قابيل
ورفعت سيفَك المسلول بوجه أخيك
وقتلت الصبايا الغنِجاتِ في مواخيرَ
أعددْتها لشاحذي اللذّة والمتعطشين للدماء
وملأت أثوابَ الأمهات دماً كذباً
أمام مرأى الحزانى الغارقين بالبكاء
أيها الجرذُ الضّال
لملمْ طاعونَك
أبعدْ وباءك أمام مرآنا
كفَّ عن تضليلِنا
تُرينا أضواءَك المُبهرة
تسلبُ ألبابَنا
تُعمي أبصارَنا
تُبهرُنا بناطحاتِ سحابِك
فتلتوي أعناقُنا
تُحيدُ عن ملاعبِ صِبانا
وأحضانِ أمّهاتنا
نرتادُ الحاناتِ، نهبط في قبْوِها
نعاشر البغايا المارقات
ننأى عن حبيباتنا اللائي ينتظرْننا
على سطوح المنازل
وفي مواقف الحافلات
وصالات السينما
وزوايا الحدائق المعتمة والمصاطب النائية
حيث البوح الشجِيّ
لا تنتهي حبائلُه حتى يصدمُنا المساء
أيتها العقارب اللاسعة
حفيداتُ العمّ "سام"
اخفضْنَ ذيولَكنّ الغادرة
عُدْنَ إلى خرائبِكنّ وجحورِكنّ
لا مكانَ لكم بيننا
أيها العُتاةُ، الجُناةُ، البُغاة
ستمتلئُ مرابعُنا بالجِنان
وصدورُنا تزغردُ فيها العافية
ونبني مهاجعَ يحلمُ بها الأثرياء
في "بيفرلي هيلز"
بنزون: أحد البحّارة المغامرين الذين رافقوا كريستوفر كولومبس في رِحلته إلى العالم الجديد
نينا، بنتا، سانتا ماريا: هي أسماء السفن التي أقلّت البحّارة باتجاه أميركا
لوكاي: يعني الذهَب بلغة الهنود الحمر
إقرأ المزيد


