س-ن-ن بالعربية - 11/6/2025 2:47:04 PM - GMT (+3 )

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لطالما طرح الدكتور غيديون لاك هذا السؤال خلال محاضراته، على خبراء الحساسية وأطباء الأطفال حول حساسية الطعام: "كم من الأطباء في القاعة لديهم مريض مصاب بحساسية الفول السوداني؟".
في العادة يرفع كل الأطباء أيديهم، لأنها واحدة من أكثر أنواع الحساسية الغذائية شيوعًا، وتؤثر على أكثر من 2% من الأطفال في الولايات المتحدة، مع نسبة مماثلة في المملكة المتحدة حيث كان لاك يعمل.
لكن خلال محاضرة في تل أبيب، قبل نحو 25 عامًا، تفاجأ عندما رفع اثنان أو ثلاثة أطباء أيديهم من أصل نحو 200 مشارك. وعلّق حينها أنّ "هذا غير منطقي"، مضيفًا أنّه كان يمارس الطب في لندن التي تضم مجتمعًا يهوديًا كبيرًا، حيث يُسجّل انتشار مرتفع لحساسية الفول السوداني بين الأطفال اليهود الذين يتشاركون الخلفية السلالية نفسها.
قادته تحقيقاته مع زملائه حول السبب، وامتدّت لـ15 عامًا، إلى نتيجة مذهلة الشهر الماضي: معدّل حساسية الفول السوداني في الولايات المتحدة، بعد ارتفاع حاد، يبدو أنّه تراجع بشكل كبير.
واتضح أنّ الإرشادات التي كان الأهل وأطباء الأطفال، وحتى لاك نفسه، يتّبعونها، القاضية بتجنب إعطاء الفول السوداني للرضّع والأطفال الصغار لتفادي تطوّر حساسية خطيرة، كانت خاطئة.
وفي حديثه مع CNN، قال لاك: "ظننّا أننا نحميهم، لكننا في الواقع كنّا نسبّب المشكلة".
قد يهمك أيضاً
ويُعتبر مسار الإثبات هذا الذي اتبعه لاك وزملائه درسًا في المنهجية العلمية.
ولفت لاك إلى أنّ أول ثلاث كلمات يتعلّمها الأطفال في إسرائيل هي: أمّ، أب وبامبا، في إشارة إلى وجبات الفول السوداني الخفيفة التي يعطيها الأهل لأطفالهم منذ الصغر. وبالاستناد إلى حواراته مع الأطباء وأولياء الأمور، قال لاك: "توافقوا على أمر واحد: 'نقدّم وجبات الفول السوداني لأطفالنا بين عمر 4 و6 أشهر'".
وتحتوي وجبات بامبا على "كميات هائلة من بروتين الفول السوداني"، وأصبح يشتبه بأنّه، بمحض الصدفة، "تم تطوير هذا المنتج في إسرائيل فتكوّن بذلك نوع من الحماية للسكان هناك".
لكنه شدّد على أنّ هذه كانت مجرد ملاحظة ولا تدلّ على أي شيء. وسأل إن كان ثمة عوامل أخرى قد ساهمت بذلك مثل: الطقس، وأشعة الشمس، والتعرّض لفيتامين د؟ لذلك، درس مع فريقه نحو 5,000 طفل في المدارس الإسرائيلية، و5,000 طفل يهودي في مدارس لندن يشاركونهم الخلفية السلالية ذاتها، وقارنوا معدلات حساسية الفول السوداني بينهم.
وأوضح لاك أنّه "في المملكة المتحدة، كانت النسبة أعلى بعشرة أضعاف، أي ما يعادل نحو 2 في المئة من الأطفال، بينما في إسرائيل تكاد لا تذكر".
قد يهمك أيضاً
وكشف فحص أنظمة الأطفال الغذائية أنّ الأطفال البريطانيين لم يتناولوا أي فول سوداني تقريبًا، بينما كان الأطفال الإسرائيليون يتناولون نحو غرامين أسبوعيًا، أي نحو 10 حبات بامبا، وقال لاك: "كانوا يأكلونها بشغف، إنها وجبة خفيفة شائعة جدًا".
وأضاف: "عندما اقترحت هذا الافتراض، كان من شبه المستحيل الحصول على تمويل". فتوجّه مع فريقه إلى المجلس الوطني للفول السوداني الأمريكي، وأوضح أنّ الانتقادات لم تمس نتائج الدراسة.
وتابع: "كان يُنظر إلى إعطاء الأطفال الفول السوداني على أنّه جنوني وغير أخلاقي"، إلا أنّ النتائج أشارت إلى عكس ذلك، لكن العمل كان لا يزال في بدايته.
تجربة استمرت سبع سنواتأظهرت دراسة لاك وزملائه، التي نُشرت في مجلة Journal of Allergy and Clinical Immunology في العام 2008، وجود علاقة بين تناول الفول السوداني في سن مبكرة وانخفاض احتمال الإصابة بحساسية الفول السوداني. وكان هدفهم إثبات أنّ إدخال الفول السوداني باكرًا يعتبر سبب انخفاض معدلات الحساسية.
لذلك أجروا تجربة عشوائية محكومة LEAP، قسّموا فيها الرضع المعرّضين لمخاطر عالية للإصابة بحساسية الفول السوداني، بسبب الإكزيما الشديدة أو حساسية البيض أو كليهما، إلى مجموعتين. تناولت مجموعة الفول السوداني بين 4 و11 شهرًا، مثل وجبات بامبا، بينما امتنع الآخرون عنها حتى عمر 5 سنوات.
تلقت الدراسة تمويلًا من المعاهد الوطنية للصحة الأمريكية، عبر المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية. استغرق تجنيد 640 طفلًا عامين، وتابعوا الأطفال لمدة خمس سنوات.
قد يهمك أيضاً
كانت النتائج واضحة: بين 530 طفلًا لم يكن لديهم حساسية في البداية، أصيب 13.7% بحساسية الفول السوداني إذا تجنبوه، مقابل 1.9% في المجموعة التي تناولته قبل عمر السنة. أما الأطفال الذين أظهروا علامات حساسية، فكانت النسبة 35.3% لمن تجنبوا الفول السوداني مقابل 10.6% لمن تناولوه. وعلق لاك: "كنت آمل بأن يكون لذلك بعض التأثير، لكن لم أتوقع تسجيل انخفاض يزيد عن 80%".
ونشرت نتائج هذه التجربة بمجلة New England Journal of Medicine في العام 2015. .
تقلّبات الطبو كتب فريق التغذية: "لا تتوفر دراسات حاسمة تسمح بتوصيات نهائية" للأطباء والأهل، مضيفين أنّ الارشادات الصادرة في العام 2000 عن الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال لم تكن حاسمة
وجاء في وثيقة للجنة التغذية التابعة للأكاديمية، بشأن التركيبات منخفضة التحسس للرضّع، أنّ "الدراسات الحاسمة غير متاحة بعد لإصدار توصيات نهائية". وتابعت اللجنة أنّه بالنسبة للرضّع الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالحساسية، "تبدو التوصيات التالية معقولة في هذا الوقت"، وتشمل تأجيل تقديم منتجات الألبان حتى بلوغ عام واحد، والبيض حتى عامين، والفول السوداني والمكسّرات والسمك حتى سن الثالثة".
واتّبع لاك نفسه توجيه الامتناع مع أولاده، وهو ما اعتبره "بالنظر إلى الماضي، نصيحة خاطئة". لكنه شدّد على أنّ عملية الإثبات العلمية هي الطريقة التي يجب أن يعتمدها الطب.
ولفت لاك إلى أنّ "تاريخ الطب عبارة عن سلسلة من التقلبات، وليس تقدمًا خطيًا مثاليًا، وغالبًا ما ينسى الناس ذلك". في العام 2008، سحبت الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال توجيهها الذي نصّ على تجنّب مسبّبات الحساسية للأطفال المعرضين للخطر، لكنّها لم تمتلك بيانات كافية لتوصية بإدخالها مبكرًا.
بعد نشر دراسة LEAP 2015، تم تحديث التوجيهات في ما يشير إليه الباحثون الآن بالخطوة التاريخية، وتوسعت التوصيات في العامين 2017 و2021.
قد يهمك أيضاً
وأظهرت دراسة نُشرت في مجلة Pediatrics الشهر الماضي، أنّ معدلات حساسية الفول السوداني بين الأطفال الأمريكيين دون 3 سنوات انخفضت بنسبة 33% بعد توصية 2015، و43% بعد 2017، وتحولت حساسية الفول السوداني من الأكثر شيوعًا إلى الثانية بعد البيض.
يلاحظ الدكتور ديفيد هيل، المشرف على الدراسة في مستشفى الأطفال بفيلادلفيا، أنّ هذه الانخفاضات، عند تعميمها على عدد الأطفال الأمريكيين دون 3 سنوات، تشير إلى أنّ نحو 40,000 طفل ربما تجنبوا تشخيص حساسية الفول السوداني منذ تغيير التوجيهات.
إقرأ المزيد


