س-ن-ن بالعربية - 10/24/2025 4:50:04 PM - GMT (+3 )
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تعد الخرسانة مادة ميسورة التكلفة، ومتعددة الاستخدامات، وقوية للغاية ومتوفرة محليًا، وهي أكثر المواد الصناعية استخدامًا في العالم.
لكنها أيضًا تترك بصمة كربونية هائلة، إذ تسهم بحوالي 8% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة عالميًا.
ولطالما حاول قطاع الخرسانة والإسمنت التقليل من أثره البيئي من خلال خلطات خرسانية مستدامة أو تصاميم أكثر كفاءة.
والآن، تمكن فريق بحثي في جامعة بنسلفانيا من الجمع بين مواد مبتكرة وتصميم موفّر للمواد من دون المساس بالقوة أو المتانة.
ويستوحي المشروع، الذي يحمل اسم Diamanti، أفكاره من الطبيعة ويستخدم طابعة ثلاثية البعد روبوتية لإنشاء أنماط شبكية معقدة باستخدام خلطة خرسانية مستدامة.
وبخلاف معظم أنواع الخرسانة التقليدية التي تمتص ثاني أكسيد الكربون، فإن خلطة الخرسانة المحسّنة لمشروع Diamanti تمتص كمية من ثاني أكسيد الكربون تزيد بنسبة 142% عن الخلطات التقليدية.

ويشرح مسعود أكبرزاده، أستاذ مساعد بكلية العمارة في جامعة بنسلفانيا ومدير المختبر الذي قاد المشروع، أن التصميم الأول للمشروع، وهو جسر للمشاة، يستخدم موادًا أقل بـ60% من الخرسانة العادية مع الحفاظ على القوة الميكانيكية.
ومن خلال محاكاة الهياكل الموجودة في أنواع معينة من العظام المسامية، والمعروفة بهياكل السطح الأدنى ثلاثي التكرار (TPMS)، زاد مشروع Diamanti من المساحة السطحية للجسر، ما رفع قدرة الخرسانة على امتصاص الكربون بنسبة إضافية بلغت 30%.
ويقول أكبرزاده: "المساحة السطحية، إلى جانب الخصائص المادية للخلطة، تزيد من التفاعل مع الكربون على المستوى المجهري. وهذا يساهم بشكل كبير في تقليل وامتصاص ثاني أكسيد الكربون".
وأُطلق المشروع في العام 2022، بالتعاون مع شركة "Sika" السويسرية وبتمويل من وزارة الطاقة الأمريكية، ويستعد الآن لبناء أول نموذج بالحجم الكامل في فرنسا.
تطورات في عالم الخرسانة
ويوضح أندرو مينسون، مدير قسم الخرسانة والبناء المستدام في الرابطة العالمية للإسمنت والخرسانة، أن قوة الخرسانة ومتانتها وسلامتها، ضمنًا مقاومتها للحريق، تعد "السبب الأساسي لاستخدامها على نطاق عالمي واسع".
وقد نجحت صناعة الإسمنت في خفض انبعاثاتها الكربونية بنسبة 25% لكل طن متري بين العامين 1990 و2023. ومع ذلك، فإن الانبعاثات الإجمالية اليوم أعلى مما كانت عليه في العام 2015 بسبب ارتفاع الطلب، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.

ويشير دو هونغجيان، المحاضر بالهندسة المدنية في جامعة سنغافورة الوطنية، إلى أن حوالي 90% من الانبعاثات تأتي من الإسمنت نفسه.
والإسمنت هو المادة الرابطة التي تتصلب عند مزجها بالماء، ويُستخدم لربط المكونات الأخرى مثل الرمل والحصى في الخرسانة.
وتتطلب عملية إنتاجه طاقة كثيفة، إذ تُسخن الصخور الجيرية إلى نحو 2000 درجة مئوية، ما ينتج انبعاثات كربونية كبيرة. كما أن الجير، وهو كربونات الكالسيوم، يُطلق ثاني أكسيد الكربون عند درجات الحرارة المرتفعة، الذي يمثل الجزء الأكبر من انبعاثات الإسمنت.
وتبحث العديد من الشركات عن بدائل لتقليل البصمة الكربونية، مثل خلطات خرسانية تمتص الكربون، ومنها الخرسانة السالبة للكربون لشركة "CO2-SUICOM" اليابانية، ومشروع شركة "Seratech" البريطانية التي تستخدم معدن الأوليفين الممتص لثاني أكسيد الكربون.
وقد طوّر قسم علوم المواد في جامعة بنسلفانيا خلطة Diamanti باستخدام التراب المشطورات، وهو مادة طبيعية مسامية غنية بالسيليكا، تتكون من طحالب متحجرة، تُستخدم لاستبدال جزء من الإسمنت.
ويوضح هونغجيان أن هذه المادة الحيوية تخلق "قنوات" داخل الخرسانة تسمح لثاني أكسيد الكربون بالنفاذ تحت السطح. ومع ذلك، فقد بلغ الإنتاج العالمي لهذه المادة 2.6 مليون طن في العام 2023، ما يعني أن التوسّع في استخدامها يتطلب دراسة سلسلة التوريد بعناية.
ويضيف مينسون أن وفرة هذه المادة قد تمثل "حلًا متخصصًا"، لكنها لن تكون حلًا شاملًا، إذ "لا توجد عصا سحرية. يجب اتخاذ إجراءات متنوعة عدة لإدارة الطلب على المواد وتقليل الكربون".
ويشير هونغجيان إلى أن زيادة المساحة السطحية بحد ذاتها تعزز امتصاص ثاني أكسيد الكربون، حتى من دون تغيير المادة.
ويتمثل جانب آخر مبتكر بهذا البحث في زيادة المساحة السطحية؛ فالخرسانة تمتص ثاني أكسيد الكربون، لكن "الطبقة السطحية من الخرسانة، المعرضة للهواء، هي فقط التي تملك القدرة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون"، بحسب هونغجيان.
ويضيف هونغجيان أن النهج المزدوج المبتكر لمشروع Diamanti يقدّم للقطاع حلولًا يمكن استخدامها معًا أو بشكل منفصل، موضحًا: "حتى من دون الابتكار في المادة ذاتها، فإن زيادة المساحة السطحية تتيح امتصاصًا أكبر لثاني أكسيد الكربون".
ولا يقتصر المشروع على الجسور فقط، إذ يدرس الفريق استخدام التقنية ذاتها في أنظمة الأسقف الجاهزة وتطبيقات معمارية أخرى.
ويضيف أكبرزاده أنه يأمل أن يفتح Diamanti "بابًا لعالم جديد من الاحتمالات" للخرسانة.
إقرأ المزيد


