س-ن-ن بالعربية - 10/24/2025 11:11:06 AM - GMT (+3 )
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لا تتذكّر العالِمة كيت آدامالا تحديدًا متى أدركت أنّ المشروع الذي تعمل عليه بمختبرها في جامعة مينيسوتا قد يكون خطيرًا.. إلى حدّ أنّ بعض الباحثين يعتقدون أنه قد يشكّل خطرًا وجوديًا على جميع أشكال الحياة المعقّدة على الأرض.
كانت آدامالا واحدة من أربعة باحثين حصلوا في العام 2019، على منحة بقيمة 4 ملايين دولار من المؤسسة الوطنية الأمريكية للعلوم، بغية دراسة إمكانية إنتاج خلية مرآة، أي خلية تكون فيها البنية الجزيئية لجميع مكوّناتها الحيوية معكوسة مقارنة بالخلايا الطبيعية.
اعتقد الفريق أنّ هذا العمل بالغ الأهمية، لأنّ مثل هذه الخلايا المعكوسة التي لم يسبق أن وُجدت في الطبيعة، قد تُلقي الضوء على أصول الحياة، وتُساعد على ابتكار جزيئات ذات قيمة علاجية لمواجهة تحديات طبية كبرى، مثل الأمراض المعدية، والبكتيريا المقاومة للمضادات.. بيد أنّ الشك بدأ يتسرّب إلى نفوسهم.
روت آدامالا، عالِمة الأحياء التركيبية، أنّه "لم يكن هناك لحظة إلهام واحدة، بل كان الأمر أشبه بالغليان البطيء على مدى بضعة أشهر"، مضيفة أنّ "الناس بدأوا يطرحون أسئلة، وظنّنا أنّنا نملك قدرة الإجابة عليها، ثم أدركنا أننا لا نستطيع".
قد يهمك أيضاً
وتمحورت تلك الأسئلة حول ما قد يحدث إذا نجح العلماء في صنع "كائن مرآة"، مثل بكتيريا مؤلفة من جزيئات تعكس الصورة الطبيعية لنظيراتها: هل يمكن أن تنتشر هذه الكائنات بلا سيطرة داخل الجسم أو في البيئة، ما يشكّل خطرًا جسيمًا على صحة الإنسان وعواقب كارثية على الكوكب، أم أنها ستتلاشى ببساطة وتختفي من دون ترك أثر؟
في الطبيعة، تتمتّع العديد من الجزيئات الحيوية الأساسية بتركيب يميني أو يساري، وهي خاصية تُعرف باسم "الكيرالية" اكتشفها لويس باستور عام 1848. فالحمض النووي (DNA) والحمض النووي الريبي (RNA) يتكوّنان من نيوكليوتيدات يمينية، بينما تتكوّن البروتينات من أحماض أمينية يسارية. وتعتمد تفاعلات الجزيئات في الكائنات الحية على الكيرالية، إذ تحتاج الأنظمة الحية إلى نمط ثابت ومتّسق لتعمل بشكل صحيح. في المقابل، الخلية المرآة تحتوي على جزيئات معكوسة، وإنشاء خلية تركيبية طبيعية الكيرالية لم يتحقّق بعد، لكن هذا المجال البحثي نشط ومثير ويعمل عليه علماء عدة حول العالم.

لا تشكّل الجزيئات المرآتية الصغيرة بمفردها أي مخاطر خاصة، والعلماء قادرون على تصنيع بروتينات وكربوهيدرات ذات كيرالية معاكسة بأمان، وهي واعدة في المجال الدوائي. أما الخلايا المرآة الكاملة فما زالت بعيدة المنال، ولم تحرز آدامالا وزملاؤها تقدمًا كبيرًا، لا سيّما أنّ جائحة "كوفيد-19" أبطأت البحث، وبدأت المحادثات غير الرسمية بين آدامالا وزملاء من مجالات أخرى تثير القلق.
بحسب آدامالا، "ينظر الخبراء في مجالات السلامة الحيوية وعلم المناعة والبيئة إلى الخلية المرآة على أنها أقرب إلى الخيال العلمي"، مضيفة أنّ ما فاجأها جدًا أنّ هؤلاء العلماء أشاروا إلى أنّ "الخلايا المرآة ستكون على الأرجح غير مرئية تمامًا لجهاز المناعة البشري".
وتابعت: "لطالما ظننت أنّ جهاز المناعة يستطيع إيجاد طريقة لاكتشاف أي جزيئات حيوية دخيلة، لكنني لم أدرك مدى الكيرالية التي يتميّز بها جهاز المناعة ذاته".
خلال العامين 2023 و2024، تحوّلت النقاشات إلى فريق عمل يضم 38 عالمًا، من بينهم آدامالا. وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، نشر الفريق مقالًا في مجلة Science بعنوان "مواجهة مخاطر الحياة المرآة"، لخّص نتائج تقرير مفصّل من 300 صفحة. وقال ديفيد ريلمان، أستاذ الميكروبيولوجيا والمناعة في جامعة ستانفورد، الذي حضر الاجتماع في جامعة مانشستر: "هناك احتمال بأن نتمكن من خلق شيء قد ينمو بلا توقف، وينتشر عبر كوكب الأرض، ويزيح أو يقتل العديد من أشكال الحياة، ضمنًا نحن البشر، والحيوانات، والنباتات، وحتى بعض الميكروبات".

جاءت مخاوف العلماء من أن الحياة الطبيعية تتميّز بالكيرالية، ما يجعل التفاعلات بين الكائنات الطبيعية والبكتيريا المرآتية غير متوقعة. ورغم أنّ أول بكتيريا مرآتية ستكون هشّة جدًا، قد تستمر في الوجود إذا توفرت المغذيات المناسبة لها، وقد تتصرّف على غرار الأنواع الغازية، مُعطِّلةً النظم البيئية لعدم وجود مفترسات تكبحها.
وأشار ريلمان إلى أنّ البكتيريا المرآتية قد تتمكن من التهرّب من أجزاء حاسمة من أجهزة المناعة الخاصة بالنباتات والحيوانات والبشر، وقد تتضاعف نظريًا داخل الجسم البشري مسببةً أعراضًا شبيهة بصدمة إنتانية. مضيفًا أنّ معظم المضادات الحيوية كيرالية أيضًا، ما يعني أنّها على الأرجح لن تكون فعّالة ضد البكتيريا المرآتية، رغم إمكانية إنتاج نسخ مرآتية منها.
ورغم إجراءات الاحتواء البيولوجي، فهي عرضة للأخطاء البشرية أو الاستخدام المتعمد الخاطئ. ورغم أن السيناريو الكارثي بعيد، لم يتمكن أحد من تفنيد المخاطر تمامًا.
قد يهمك أيضاً
ووصف ريلمان الحياة المرآة بأنها أول خطر وجودي محتمل واجهه في مسيرت التي شملت التحقيق في رسائل الأنثراكس المميتة في العام 2001، ومتلازمة هافانا التي أثّرت على جواسيس وجنود ودبلوماسيين حول العالم.
ولفت إلى أنّ ما يعطيه الأمل، أنّ الحياة المرآة لم توجد بعد، فهي ليست شيئًا "هنا والآن" يصعب إيقافه، مشيرًا إلى أنّ "هناك فرصة حقيقية ألا نضطر إلى مواجهتها إلا إذا اخترنا نحن ذلك".
الخطوط الحمراءرأى مايكل كاي، أستاذ الكيمياء الحيوية في جامعة يوتا، المتخصص في تطوير أدوية، تحديدًا ضد الأمراض المعدية مثل فيروس عوز المناعة البشري (HIV) استنادًا إلى الجزيئات المرآتية، أنّه ليس مؤيدًا بالكامل للقيود الصارمة على هذا المجال. فهذه القيود، برأيه، غير دقيقة، إذ تقاوم الجزيئات المرآتية مثل البروتينات والأحماض النووية التحلّل وتكون أكثر استقرارًا في الجسم، وهي صفات مفيدة للأدوية العلاجية المحتملة.
وأضاف أنّ البروتينات المرآتية لا تستطيع التكاثر الذاتي، فلا تشكّل المخاطر نفسها الخاصة بالخلايا المرآتية. إلا أنّ كاي أعرب عن قلقه من أن كلمة "مرآة" ستُربط تلقائيًا بالأبحاث الخطرة، ما قد يحدّ من الابتكار في هذا المجال.

وأشار أيضًا إلى أنّ مخاطر الخلايا أو الكائنات المرآتية، في حال إطلاقها، غير معروفة، إذ، بحسب كاي، "قد يفشل بالازدهار وينقرض بسرعة على الأرجح، أو قد يستهلك جميع الموارد على الأرض ويتنافس مع كل أشكال الحياة الموجودة. وهذا نطاق واسع جدًا".
لكنّه أكد على أنّ محاولات تقييم المخاطر المستمرة مهمة جدًا: "أعتقد أنّ أيّ جهد يمنحنا وقتًا لفهم المخاطر بشكل أفضل، والنظر فيها بعناية أكبر، لنتقدم بالتكنولوجيا بدراية أكبر عوض إطلاقها بشكل عشوائي، فهذا مفيد. ولدينا الوقت، كما تعلمون، لذلك".
الحياة التركيبية غير المرآتيةيسعى العديد من علماء الأحياء التركيبية، من بينهم آدامالا، إلى إنشاء خلية تركيبية ذات كيرالية طبيعية من الصفر باستخدام أجزاء غير حية، بهدف محاكاة العمليات البيولوجية، وفهم نشوء الحياة، والمساهمة في الطب والصناعة والبيئة والبحث العلمي.
قد يهمك أيضاً
وشرحت آدامالا أنّ "الخلية التركيبية ستكون مماثلة لنظام تشغيلي للحياة، ستمكّننا من هندسة الأحياء بدقة غير متاحة في الخلايا الطبيعية، وبناء نماذج للعمليات الخلوية لفهم كيف تعمل الخلايا الصحية وكيف تبدأ الأمراض".
وأشار جون غلاس، أستاذ علم الأحياء التركيبية في معهد J. Craig Venter، إلى أنّ العلماء قد يحققون هذا الإنجاز خلال عام واحد، مضيفًا أنّه إذا أمكن إنشاء خلية طبيعية ذات كيرالية من جزيئات غير حية، فإن الخلية المرآتية يمكن نظريًا إنشاؤها باستخدام الأساليب عينها.

بالنسبة لغلاس، الخط الأحمر يتمثّل في امتناع العلماء عن صنع ريبوسوم مرآة، آلة بيولوجية تصنع البروتينات، مشيرًا إلى أنّ رسم الخط عند الخطوة الأخيرة لإنشاء غشاء مرآة سيكون متأخرًا جدًا.
أما كاي في جامعة يوتا، فيركز على تحسين التخليق الكيميائي للبروتينات المرآتية ويدرس إمكانية صنع ريبوسوم مرآة. وقال كاي: "إذا استطعنا صنع ريبوسوم مرآة، يمكننا استخدامه لصنع هذه المنتجات بجودة أعلى، وبروتينات أطول، بطريقة قد تكون متوافقة مع الاستخدام الدوائي"، معربًا عن "وجود قلق" حول ما إذا كان امتلاك ذلك سيجعل تطوير الحياة المرآة أمرًا سهلاً للآخرين.
اختارت آدامالا وزملاؤها عدم تجديد منحة أبحاثها، منهيةً عمل مختبرها حول الخلايا المرآتية. وبحسب معرفتها، لا يوجد علماء يسعون حاليًا لإنشاء خلية مرآة.
وفي فبراير/شباط 2025، وقع نحو 100 باحث ومموّل وصانع سياسة على بيان يؤكد أنّ "لا ينبغي إنشاء الحياة المرآة إلا إذا أثبتت الأبحاث المستقبلية أنها لن تشكل مخاطر جسيمة".
إقرأ المزيد


