ما سرّ نجاة وردة غامضة أمام الأعاصير في أمريكا؟
س-ن-ن بالعربية -

دبي، الإمارات العربية المتحة (CNN) -- إذا اتّبعت مجرى نهر المسيسيبي في أمريكا حتى نقطة التقاء مياه النهر بالمحيط، ستنتهي بك الرحلة في بلاكومين، وهي أبعد منطقة إدارية في ولاية لويزيانا بالولايات المتحدة إلى الجنوب. 

 تشتهر بلاكومين بمأكولاتها البحرية، والنفط والغاز البحري، لكنها أيضًا المكان الذي صمدت فيه وردة مجهولة الأصل أمام القوة المدمّرة لإعصار كاترينا.

هذه الوردة المتسلّقة، التي تتزيّن كل ربيع ببراعم ناعمة من الأزهار الوردية، ما زال أصلها غامضًا. لكنّ النبتة وجدت طريقها إلى حديقة الأمريكية بيغي مارتن في مدينة فينيكس بولاية لويزيانا، قبل نحو 16 عامًا، من إعصار كاترينا الذي دمّر ساحل الخليج في عام 2005، مُخلّفًا أضرارًا تقدّر بحوالي 125 مليار دولار.

وقالت مارتن عن الوردة: "في عام 1989، أعطتني إياها صديقة أخبرتني أنها حصلت عليها من حماتها". 

قضت مارتن سنوات في البحث والسفر سعيًا منها لاكتشاف أصلها الحقيقي، لكنّ سلالة النبتة بقي مجهولًا.

ورجّحت في حديثها مع CNN إن جذورها تعود ربما للقرن التاسع عشر، مؤكدة: "أعتقد أنها جاءت من أوروبا، لكن لا يمكننا تأكيد ذلك بشكل قاطع".

مغمورة تحت الماء 

أثارت هذه النبتة وأصولها اهتمامًا أكبر بعد الإعصار، عندما تبيّن أنها نجت بعدما ظلّت مغمورة بالماء لبعض الوقت. وقالت مارتن إنها كانت النبتة الوحيدة من أصل 450 وردة قديمة في حديقتها التي تمكنت من النجاة من العاصفة.

لم يتمكن الدكتور ويليام سي. ويلش، أستاذ متقاعد ومتخصص في البستنة التجميلية ضمن خدمات الإرشاد الزراعي في جامعة تكساس A&M، ومؤلف كتب عدة عن الورود العتيقة والبستنة التراثية، من تحديد هوية الوردة عندما فحصها خلال زيارة إلى المنطقة في عام 2003، لإلقاء كلمة في لقاء لجمعية "نيو أورليانز لورود الحدائق القديمة".

أخذ ويلش عُقلًا (قصاصات النبات التي تستخدم في التكاثر) من وردة مارتن وبدأ زراعتها في ممتلكاته الخاصة، قبل أن يصبح لاحقًا جزءًا من قصة الوردة بعد إعصار كاترينا.

يبدو أن القدرة المعجزة للنبتة على النجاة غامضة تمامًا كأصلها، لكن بحسب زميل ويلش، الدكتور غريغ غرانت، وهو اختصاصي البستنة في خدمة الإرشاد الزراعي التابعة لجامعة تكساس A&M، مرتبط على الأرجح بالجينات.

قال غرانت، الذي شارك ويلش بتأليف كتاب "The Rose Rustlers" والذي تَضمّن قصة مارتن:"الأمر كله يتعلق بالوراثة، فهي تنحدر من سلالة جينية قوية جدًا. لا يمكننا تحديد السبب الدقيق لبقاء تلك النبتة تحديدًا، لكن بلا شك أن للجينات دورًا كبيرًا في ذلك".

وردة لا تُقهَر

وردة لا تقهر

تزهر وردة بيغي مارتن في حديقة مارتن بمدينة غونزاليس، ولاية لويزيانا.Credit: Edmund D. Fountain for CNN

ظهرت الورود الحديثة في عام 1867، مع تطوير أول نوع من الشاي الهجين، بحسب الجمعية الأمريكية للورود. وتوصف عادة بأنها متطلبة جدًا، وتحتاج إلى رعاية مستمرة. 

في هذا الإطار، أوضح مايك شوب، رئيس مؤسسة الورود التراثية ومؤلف كتاب "إمبراطورة الحديقة"، أنّ "الفكرة السائدة مفادها أنها غير قوية، وتحتاج إلى الرش المستمر، ويجب توفير بيئة مثالية للزراعة لها. وكثير من ذلك ناتج عن عمليات التهجين، فقد تم تهجين هذه الأزهار المثالية، مع استبعاد الصفات التي تجعل الوردة سهلة النمو في حدائقنا الخلفية". 

وأضاف شوب: "عندما تنظر إلى الوردة ككيان كامل، فإنها شديدة التحمّل. لقد صمدت أمام آلاف الآفات وآلاف المشاكل، وما زالت تعتبر الزهرة المفضلة لدى الإنسان". 

تعرّضت العديد من نباتات الورد لدى مارتن لاختبار قوتها بعدما ضرب إعصار كاترينا العديد من المناطق في 29 أغسطس/آب 2005 بالقرب من غراند آيل في لويزيانا، على بعد حوالي 45 كيلومترًا جنوب منزلها في فينيكس. وصل الإعصار إلى المنطقة برياح تجاوزت سرعتها 160 كيلومترًا في الساعة، وفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي ومركز البيانات المناخية الوطني.

وردة لا تقهر

منزل مارتن السابق في فينيكس، لويزيانا، بمنطقة بلاكومين، بعد إعصار كاترينا.Credit: Peggy Martin

أشار كين دوغاس، وهو مهندس منطقة بلاكومين إلى أنه "في فينيكس، كان هناك ما يتراوح بين 5 و6 أمتار من المياه الراكدة". وقد تجاوزت المياه الحواجز الترابية المصممة لحماية المنطقة من الفيضانات.

وأضافت مارتن: "امتلأت المنطقة، وبدت كأنها وعاء".

مرت ثلاثة أسابيع قبل أن تتمكن مارتن وزوجها من العودة وتقييم الأضرار التي لحقت بممتلكاتها. 

وقالت: "فقدنا كل شيء نملكه. كل نبات، كل شيء مات تمامًا. ثم فيما كنت أمر بجانب منزل والدتي وإلى الخلف حيث كان منزلنا، رأيت هذه السيقان الطويلة الخضراء الداكنة معلقة على سقيفة الجرار". 

سمات النبتة الناجية

وردة لا تقهر

أزهار وردة بيغي مارتن، التي سُمّيت باسمها، تتفتح على سقيفة الجرار في منزلها السابق في أبريل/نيسان 2007.Credit: Nick de la Torre/Houston Chronicle/Getty Images

هذه الوردة كانت الوحيدة التي نجت في حديقة مارتن، باستثناء بعض بصيلات النرجس والكرينوم التي كانت في حالة خمول. 

وأوضح تشارلز شي، المتخصص في الورود البرية والبستنة النباتية في الحدائق النباتية الملكية (كيو) في المملكة المتحدة، أن هذه النبتة القوية على الأرجح "نوع تراثي من الورود المتسلقة يتمتع بقدرة واسعة على التكيف مع المناخات المختلفة".  

وأضاف شي:"هذه الزهرة الغامضة ليست من أنواع الشاي الهجينة الحديثة، بل أقرب في طبيعتها إلى الورود المتسلقة القديمة وأنواعها البرية القوية"، متابعًا أن "هذا ما يفسّر الكثير من قدرتها على التحمّل". 

وردة لا تقهر

تزهر وردة بيغي مارتن في حديقة مارتن.Credit: Edmund D. Fountain for CNN

لم يسبق لشي أن درس وردة مارتن بشكل مباشر، لكنه قال إنه واثق، بناءً على مظهر الزهرة، من أنها تحتوي على "نسبة ما" من جينات وردة Rosa banksiae، في إشارة إلى نوع من الورود جُمع من الصين في مطلع القرن التاسع عشر، وتم إدخاله إلى حدائق كيو الملكية. وتُعرف Rosa banksiae اليوم بأنها وردة متسلقة صفراء شهيرة بين البستانيين.

قال شي لـCNN: "يمكنك أن ترى أن بنية البتلات متشابهة جدًا. حجم الزهرة مشابه أيضًا، لكن اللون مختلف".

وأضاف: "أعتقد أنها أقرب بكثير إلى الورود البرية منها إلى الورود المُهجنة والمزروعة بكثرة. بكلمات أخرى، يمكن اعتبارها من الورود التراثية، أي تلك التي تم تهجينها مبكرًا قبل أن تبدأ عمليات التهجين الجماعي للورود". 

وختم بالقول إن الوردة "ربما كانت ناتجة عن شتلة عشوائية ظهرت في حديقة ما". 

وردة لا تقهر

وردة Rosa banksiae Lutea، من الورود المتسلقة، تنمو بمحاذاة جدار من الطوب.Credit: Paul Heinrich/Alamy Stock Photo

حدد الباحثون ثلاث صفات رئيسية ربما ساعدت هذا الوردة النادرة على النجاة من دمار إعصار كاترينا:

  1. الطبيعة القوية والقدرة على التمثيل الغذائي في بيئة منخفضة الأوكسجين، ما سمح لها بالاعتماد على مخزون السكريات المخزنة في أنسجته؛
  2. القدرة على تحمّل ملوحة المياه الناتجة عن غمره بمياه البحر، إما من خلال منع الأملاح من الدخول عبر الجذور أو تخزينها داخل خلاياها بطريقة لا تؤذيها؛
  3. القدرة السريعة على التجدد، عبر إنبات براعم جديدة وتكوين جذور من السيقان الموجودة.

وردة لا تقهر

فقدت مارتن كل ما تملكه عندما ضرب إعصار كاترينا في العام 2005، لكنها عثرت لاحقًا على شجيرة الورد المتسلقة بين أنقاض ممتلكاتها السابقة.Credit: Edmund D. Fountain for CNN

من الصعب تحديد عدد الأيام التي بقيت فيها الوردة مغمورة تحت الماء بدقة. لكن التقديرات تتراوح بين أسبوعين إلى شهر بعد الإعصار، بحسب مات رو، المتحدث باسم فيلق المهندسين التابع للجيش الأمريكي في منطقة نيو أورليانز، الذي أوضح أن المياه التي غمرت المنطقة كانت على الأرجح مزيجًا من الأمطار، ومدّ العاصفة من المحيط القريب، ومياه الأراضي الرطبة.



إقرأ المزيد