س-ن-ن بالعربية - 8/28/2025 12:29:04 PM - GMT (+3 )


دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يتكون الجينوم البشري من 23 زوجًا من الكروموسومات، وهي المخططات البيولوجية التي تجعل الإنسان إنسانًا. مع ذلك، اتضح أن جزءًا من حمضنا النووي، أي حوالي 8%، هو بقايا فيروسات قديمة أدمجت نفسها في شيفرتنا الجينية على مدار تطور الإنسان.
توجد هذه الفيروسات القديمة في أجزاء من حمضنا النووي تُعرف بالعناصر الجينية القابلة للنقل، وتُعرف أيضًا باسم "الجينات القافزة"، نظرًا لقدرتها على نسخ نفسها ولصقها في أماكن مختلفة من الجينوم.
تشكّل الجينات القافزة نحو نصف مادتنا الوراثية، وكانت تُعتبر سابقا حمضًا نوويًا "بلا فائدة"، أي تسلسلات لا يبدو أن لها وظيفة بيولوجية. لكن، تقدّم دراسة جديدة دعمًا لفرضية أن هذه البقايا الفيروسية القديمة تلعب دورًا أساسيًا في المراحل المبكرة من تطوّر الإنسان وربما ساهمت في تطوّرنا.
من خلال تسلسل الجينات القافزة، تمكّن فريق دولي من الباحثين من تحديد أنماط خفية قد تكون حاسمة في تنظيم الجينات، وهي العملية التي يتم من خلالها تفعيل الجينات أو تعطيلها. وقد نُشرت نتائج الدراسة في يوليو/ تموز الماضي، بدورية "Science Advances" العلمية.
وأوضح الدكتور فوميتاكا إينووي، وهو الأستاذ المشارك في علم الجينوم الوظيفي بجامعة كيوتو في اليابان وأحد المشاركين في الدراسة، في بيان: "لقد تم تحديد تسلسل الجينوم البشري منذ وقت طويل، لكن لا تزال وظيفة العديد من أجزائه غير معروفة. ويُعتقد أن للجينات القافزة دورًا مهمًا في تطوّر الجينوم، ومن المتوقع أن تتضح أهميتها بشكل أكبر مع استمرار تقدم الأبحاث".
ولفت الباحث الرئيسي الدكتور شون تشن، وهو عالم الأحياء الحاسوبية والمحقق الرئيسي في معهد شنغهاي للمناعة والعدوى التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، إلى أن "هناك العديد من الفوائد لدراسة كيفية تنشيط الجينات القافزة للتعبير الجيني. وقد تساعد هذه الدراسات العلماء على فهم الدور الذي تلعبه هذه التسلسلات في تطور الإنسان، أو الكشف عن روابط محتملة بين العناصر القابلة للنقل والأمراض البشرية، أو تعليم الباحثين كيفية استهداف العناصر القابلة للنقل الوظيفية في العلاج الجيني".
وأضاف تشن في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "نأمل من خلال المزيد من الأبحاث أن نكشف كيف تجعلنا الجينات القافزة، وخاصة الفيروسات الراجعة الداخلية، أي الحمض النووي الفيروسي القديم، بشراً".
قد يهمك أيضاً
عندما كان أسلافنا من الرئيسيات يصابون بالفيروسات، كانت تسلسلات من المعلومات الجينية الفيروسية تتكاثر وتدرج نفسها في مواقع مختلفة داخل كروموسومات العائل.
وقالت الدكتورة لين هي، عالمة الأحياء الجزيئية والأستاذة في أبحاث الخلايا الجذعية بجامعة كاليفورنيا، في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "كانت الفيروسات القديمة فعّالة في غزو جينومات أسلافنا، وأصبحت بقاياها تشكل جزءًا كبيرًا من الجينوم الخاص بنا. وقد طوّر الجينوم الخاص بنا العديد من الآليات للسيطرة على هذه الفيروسات القديمة والتخلّص من آثارها الضارة المحتملة".
غالبا، تكون هذه الفيروسات القديمة غير نشطة ولا تشكل مصدر قلق، لكن أظهرت الأبحاث خلال السنوات الأخيرة أن بعض الجينات القافزة قد تلعب أدوارًا مهمة في الأمراض البشرية. وقد استكشفت دراسة نُشرت في يوليو/ تموز عام 2024 إمكانية إيقاف نشاط بعض هذه الجينات القافزة بهدف جعل علاج السرطان أكثر فعالية.
لكن بسبب طبيعتها التكرارية، فإن دراسة وتنظيم الجينات القافزة يُعد أمرًا صعبًا للغاية ومعروفًا بتعقيده. ورغم تصنيف تسلسلات الجينات القافزة إلى عائلات وفروع فرعية بناءً على وظيفتها وتشابهها، إلا أن العديد منها وفقًا لما قاله تشن تم توثيقه وتصنيفه بشكل غير كافٍ، "ما قد يؤثر بشكل كبير على تحليلاتها التطورية والوظيفية".
قد يهمك أيضاً
وقد ركّزت الدراسة الجديدة على مجموعة من تسلسلات الجينات القافزة تُعرف باسم MER11، والتي وُجدت داخل جينومات الرئيسيات. ومن خلال استخدام نظام تصنيف جديد بالإضافة إلى اختبار نشاط الجينات في الحمض النووي، تمكّن الباحثون من تحديد أربع فروع فرعية جديدة لم تكن معروفة من قبل.
وقد تبيّن أن التسلسل الذي تم دمجه مؤخرًا، والذي أُطلق عليه اسم MER11_G4، يمتلك قدرة قوية على تفعيل تعبير الجينات في الخلايا الجذعية البشرية وخلايا الجهاز العصبي في مراحله المبكرة.
وتشير هذه النتيجة إلى أن هذا الفرع الفرعي من الجينات القافزة يلعب دورًا في التطور البشري المبكر، ويمكنه أن "يؤثر بشكل كبير على كيفية استجابة الجينات للإشارات التطورية أو العوامل البيئية"، وفقًا لبيان صادر عن جامعة كيوتو.
وتلفت الأبحاث أيضًا إلى أن الجينات القافزة ذات الأصل الفيروسي كان لها دور في تشكيل التطور البشري. ومن خلال تتبع كيفية تغير الحمض النووي بمرور الزمن، وجد الباحثون أن هذه الفُصيلة الفرعية تطوّرت بشكل مختلف داخل جينومات الحيوانات المختلفة، ما ساهم في التطوّر البيولوجي الذي أدى إلى ظهور البشر، والشمبانزي، وقرود المكاك.
وقالت الباحثة هي: "فهم تطور الجينوم الخاص بنا يُعد أحد السُبل لفهم ما يجعل البشر يتميزون بالفرادة. وسيمكننا ذلك من امتلاك أدوات لفهم البيولوجيا البشرية، والأمراض الوراثية البشرية، والتطور البشري".
لكن تشن أشار إلى أن الطريقة الدقيقة التي شاركت بها الجينات القافزة هذه في عملية التطوّر لا تزال غير واضحة. وأضاف أنه من المحتمل أيضًا أن جينات قافزة أخرى، لم تُكتشف بعد، قد لعبت أدوارًا مختلفة في مسار تطوّر الرئيسيات.
من جانبه، قال الدكتور ستيف هوفمان، وهو عالم الأحياء الحاسوبية في معهد لايبنيز لدراسة الشيخوخة في يينا بألمانيا، والذي لم يشارك في الدراسة: "توفر هذه الدراسة رؤى جديدة ونقاط انطلاق محتملة لفهم دور الجينات القافزة في تشكيل تطوّر الجينوم الخاص بنا".
وأضاف في رسالة عبر البريد الإلكتروني أن البحث "يؤكد أيضًا على مدى ما يمكن تعلمه بشأن نوع من الحمض النووي كان يُنظر إليه سابقًا على أنه مجرد متطفّل جزيئي".
إقرأ المزيد