إيلاف - 12/1/2025 8:16:08 AM - GMT (+3 )
كان ذلك في عام 2000. قاد صدام حسين السيارة بنفسه وجلس ضيفه هوغو شافيز إلى جانبه. أخذ الرئيس العراقي نظيره الفنزويلي في جولة ببغداد شملت ضفاف دجلة. ناقش الرجلان حلم «عالم متعدد الأقطاب»، ونددا بالهيمنة الأميركية، واتفقا على التنسيق فيما يتعلق بأسعار النفط.
في تلك الأيام، كان لمن يرفع قبضته في وجه أميركا أصدقاء في العالم. ربطت شافيز «صداقة حميمة» بمعمر القذافي الذي كان يقلد فيديل كاسترو في محاولته إضرام النار في الرداء الأميركي المنتشر على مدى القارات. ويتذكر نوري المسماري أمين المراسم الليبي و«ظل العقيد»، زيارة قام بها كاسترو إلى ليبيا. يقول: «كان القذافي معجباً بكاسترو وقد ساعده كثيراً. في اليوم الأخير من زيارة له إلى ليبيا توفيت عائشة والدة العقيد. سألت الزعيم الكوبي إن كان يريد أن يعزيه فحضر إلى مكتبه. قال له: أنا مستغرب، والدتك توفيت وتتعامل مع الأمر بشكل عادي؟ فرد معمر: هذا قدر وساعتها حانت». كان يجمع الرجلين خيط متين هو العداء لأميركا.
يتمتم نيكولاس مادورو كي لا يسمع الحراس. كاسترو محظوظ لأنه لم يسقط في أيديهم. وشافيز محظوظ لأنه قتل على يد السرطان لا على يد «المارينز». كانت لكاسترو حصانة سوفياتية، وظلت صالحة حتى بعد الانهيار الكبير. اليوم الاتحاد السوفياتي يتثاءب في المتاحف. وفلاديمير بوتين يجلس على عرش كاترين الثانية وبطرس الأكبر، لا على عرش لينين وستالين. غزو أوكرانيا طعنة محدودة في جسد الغرب على رغم معانيها. يستحق قتيل بحجم الإمبراطورية السوفياتية ثأراً أكبر وأشمل، لكن هذه الأيام لا تشبه تلك الأيام.
بعد إعلان دونالد ترمب إغلاق الأجواء الفنزويلية تحلق أركان الأمن حول مادورو. أعربوا عن تصميمهم وثقتهم. لكنه شم رائحة قلق. ماذا يريد ترمب؟ لا أحد يعرف بدقة ماذا يريد. هل يريد صفقة؟ وما الثمن؟ هل يريد توجيه ضربة؟ وما القدرة على الرد؟
أقلقه تصوير النظام كمصنع هائل للمخدرات. تذكر أنه قبل عام واحد كان اسم الرئيس السوري بشار الأسد. وكان بين التهم الموجهة إلى نظامه أنه مصنع هائل للكبتاغون. يعرف أن بعض أنصاره يقولون «مادورو إلى الأبد» و«مادورو أو نحرق البلد»، لكن هذه العبارات لا تكفي حين تكون المواجهة مع أميركا سيدة الأساطيل وصاحبة الاقتصاد الأول في العالم. تزيد من ضراوة المعركة صعوبة التكهن باتجاهات الرياح التي يطلقها الرجل الجالس في المكتب البيضاوي مع ربطة عنق حمراء وقدرة على إطلاق تغريدات أشد إيذاء من الصواريخ.
ما أصعب أن تكون عدواً لأميركا، خصوصاً إذا كنت تقيم على مقربة منها. وربما تضاعف ثروتك رغبة الشرطي الأميركي في معاقبتك على سياساتك وقاموس العداء للقوة العظمى الوحيدة.
ما أصعب أن تكون عدواً لأميركا. ذاكرتها إلكترونية ولا ينتابها النسيان. قتلت الاتحاد السوفياتي بالنموذج والنوافذ المفتوحة والإعلام. لم تطلق رصاصة ولم ترق قطرة دم. ثم أين صدام حسين؟ وأين معمر القذافي؟ وأين قاسم سليماني؟ وأين أسامة بن لادن؟ وأين «أبو بكر البغدادي»؟
الاتهامات كثيرة. يتهمونه برعاية ورشة المخدرات لتسميم ملايين الأميركيين، وبتزوير الانتخابات واعتماد شعار القصر أو القبر، وبنسج الخيوط مع موسكو وبكين وطهران وكل أعداء أميركا ونموذجها ودورها وهيمنتها. يتهمونه أيضاً بالمسؤولية عن بقاء بحر من الفقراء في بلاد تنام فوق بحر النفط، وبالتسبب في هجرة ملايين الفنزويليين احتجاجاً على اللعبة السوداء التي تكرر نفسها. ليس بسيطاً أن يصبح من يعتبر نفسه وريثاً لأحلام سيمون بوليفار ومسيرة كاسترو وشافيز، متهماً بتصنيع المخدرات وتصديرها. تدهور العملة، وتدهور الهالة، واقتراب الرصيد من النفاد.
يزوره الغضب. أنا لست مانويل نورييغا الذي اجتاحت أميركا بلاده بنما ونقلته وحاكمته وسجنته. لا فنزويلا بنما، ولا أنا نورييغا. في مسدسي طلقات وأحتفظ بالأخيرة لصدغي. لن أسمح لوسائل الإعلام بالتلذذ برؤيتي جالساً في قفص الاتهام، ولن أسمح لهذه المعارضة التي يرعاها الخارج أن تحتل الشوارع وتقتلع النظام الممانع. أنا جئت من صفوف الشعب. كنت سائق باص وخبرت أحياء كاراكاس ومعاناة أهلها. سلكت طريق النقابات العمالية واعتنقت الحلم البوليفاري. أدرك شافيز حين عاوده السرطان أنني الرجل الذي يمكن أن يؤتمن على القلعة وحمايتها من الرياح التي تهب من واشنطن. التفويض الحقيقي لا يأتي من صناديق الاقتراع. يأتي من روح الأمة.
ترمب صاحب مزاج وأسلوب. اعتبر تصدير المخدرات نوعاً من تصدير الإرهاب. اتهمت إدارة ترمب مادورو شخصياً بإدارة «كارتيل الشمس»، واعتبرته منظمة إرهابية أجنبية. ألمح الرئيس الأميركي إلى «عمل بري وشيك» بعدما قلب قوارب المهربين وطفت دماؤهم فوق مياه الكاريبي.
تجمعت نذر العاصفة. الرجل الذي أرسل القاذفات لتدك المنشآت النووية الإيرانية قد لا يتردد في استخدامها في قصف مصانع المخدرات. ظهور النظام عاجزاً قد يغري المعارضة بشل البلاد للتخلص من وريث شافيز. هل يستطيع مادورو العثور على صفقة مع سيد البيت الأبيض؟ أم يفضل إرضاء بوليفار وشافيز ويتمسك بخيار القصر أو القبر؟ يعيش مادورو على توقيت ترمب، وساعة الرئيس الأميركي ولادة للمفاجآت.
إقرأ المزيد


