نهج نايجل فاراج كرئيس حكومة مرتقب في بريطانيا مثير للقلق
روسيا اليوم -

كان نايجل فاراج معروفاً منذ نعومة أظفاره بين زملائه في المدرسة بمعاداته للسامية. وشهد 20 شخصاً من زملاء فاراج لصحيفة الغارديان بذكرياتهم عن الشاب فاراج وهو يسخر من اليهود والأقليات بأبشع العبارات. ولكن فاراج لم يعتذر يوماً عن هذا السلوك، ولو فعل ذلك وأعلن في المملكة المتحدة أن الإساءة العنصرية غير مقبولة لافترض منتقدوه أن الحادث وقع قبل نصف قرن من شاب غير ناضج.

لكن فاراج لم يعتذر، وبدلاً من ذلك قدّم هو وحزبه روايات متباينة، منتقلين من الإنكار الصريح إلى الإنكار المطلق، ثم العكس. وهذا الالتباس بحد ذاته يثير تساؤلات حول شخصية الرجل الذي، وفقًا لاستطلاعات الرأي، في طريقه لأن يصبح رئيس وزراء بريطانيا القادم. لكن هذه الحادثة تشير أيضًا إلى ظاهرة أوسع وأكثر إثارة للقلق، تتجاوز هذه الحدود بكثير.

يرتكز دفاع فاراج على ركائز واهية؛ فقد كان الرد الأول هو القول بأن جميع الاتهامات غير صحيحة، أو بعبارة أخرى، أن متهميه كاذبون. وكما أشار أحدهم على الأقل، فإن هذا بحد ذاته معادٍ للسامية: أن اليهود يكذبون بشأن معاناتهم سعيًا وراء غاية ملتوية غير مُعلنة.

أما خط الدفاع الثاني، فيصر على أن فاراج لم يفعل هذه الأشياء قط، ولكن لو فعلها، لما كان لها أي صلة لأنه كان طفلًا آنذاك. وقد تحدثتُ إلى عديد من مسؤولي الجالية اليهودية الذين يقولون إن هذا من بين أسباب ترددهم، حتى الآن، في الانضمام إلى جوقة الإدانة.

هذا يُشير إلى أن الاتهامات الموجهة إليه تفتقر إلى الحجة، لأنها لا تؤثر على توجهاته السياسية اليوم؛ وأنه مهما قيل عن فتى السبعينيات والثمانينيات، لا يُمكن اتهام رجل عام 2025 بمعاداة السامية. وهنا تصبح الحقائق أكثر غرابة.

لننظر إلى أحد تعليقات فاراج هذا الأسبوع، في مقابلة إذاعية، حيث أبدى نفيه القاطع. "هل قلتُ أشياء قبل 50 عامًا يُمكن تفسيرها على أنها مزاح في ساحة لعب في المدرسة، يُمكن تفسيرها اليوم بطريقة ما؟ نعم." ربما كان فاراج يُقرّ هنا بأقل مما يتذكره مُتّهموه، لكن بدا الأمر كما لو أنه يُشير إلى أن الأغاني التي تتحدث عن قتل اليهود والآسيويين والسود بالغاز ليست أكثر من "مزاح". هذا كلام فاراج عام 2025.

وهذه ليست التهمة الوحيدة ضد فاراج؛ ففي عام 2017 قال مجلس نواب اليهود البريطانيين إنه "تجاوز الحدود باستخدام مصطلحات معادية للسامية معروفة"، بعد أن أومأ برأسه موافقًا بينما ادعى مُتصل ببرنامجه على قناة LBC أن إسرائيل تسيطر على الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وأجاب فاراج: "من حيث المال والنفوذ، فهم جماعة ضغط قوية للغاية"، موضحًا أن "هناك حوالي 6 ملايين يهودي يعيشون في أمريكا، لذا فهي نسبة ضئيلة جدًا، لكن من حيث النفوذ، فهي كبيرة جدًا".

وبعد 3 سنوات، أدان مجلس النواب مجددًا زعيم حزب بريكست آنذاك لتداوله "العبارات المعروفة"، بعد أن استخدم مرارًا كلمات وزخارف تُعدّ من أساسيات نظريات المؤامرة المعادية للسامية لدى اليمين المتطرف.

في تلك الفترة، كان فاراج يهاجم "العولميين" و"الماركسيين الثقافيين" وغولدمان ساكس وجورج سوروس، رغم أن الأخير شخصية مكروهة لدى من يزعمون بوجود مؤامرة يهودية سرية لتقويض الدول القومية سعيًا وراء حكومة عالمية. وفي مقال نُشر عام 2020 في مجلة نيوزويك، وجّه فاراج انتقاداته اللاذعة إلى "العولميين غير المنتخبين الذين يُشكّلون حياة العامة بناءً على توصيات سرية من البنوك الكبرى".

وانتقدت منظمة "صندوق الأمن المجتمعي"، أو CST، وهي المنظمة التي تراقب وتكافح معاداة السامية في المملكة المتحدة، فاراج آنذاك لاستخدامه "لغة تُذكّر بمصطلحات المؤامرة المعادية للسامية"، محذرة من أن "هذا البحث عن كبش فداء سيبقي على الحاجة إلى أعداء جدد وأعذار جديدة، مما يدفع النقاش الوطني إلى مسارات أكثر استقطابًا وخطورة".

إن التهديد الأكبر اليوم، وفق مركز الدراسات الاستراتيجية، هو الجهاد العنيف، من النوع الذي شهد هجوم جهاد الشامي المميت على كنيس هيتون بارك في مانشستر الشهر الماضي. لكن ما يراه المركز خطرًا متزايدًا على المدى الطويل هو تحول واضح الآن في اليمين الأمريكي.

والخوف، كما يقول ديف ريتش، مدير السياسات في مركز الدراسات الاستراتيجية، هو أن "يصبح نيك فوينتس وجهاً للحركة الجمهورية". وفوينتس هو العنصري الأبيض الصارخ ومنكر الهولوكوست، الذي تناول العشاء مع ترامب في منتجع مارالاغو، والذي يُحذر بعضهم من أنه على وشك أن يحل محل تشارلي كيرك كشخصية محبوبة لدى الجيل الجمهوري القادم.

تتجلى اليوم مواقف ملفتة للنظر للسياسيين اليمينيين؛ فهم لم يعودوا يتحدثون عن "القيم اليهودية المسيحية"، بل يتبنون بدلاً من ذلك قومية مسيحية عدوانية، ويزداد عداؤهم لإسرائيل والصهيونية، ويبدو أن دوافعهم لا تنبع من تعاطفهم مع الفلسطينيين، بل من نسخة مُحدثة من رؤية "أمريكا أولاً" التي سادت في ثلاثينيات القرن الماضي، والتي شككت في وجود مؤامرة يهودية لجر أمريكا إلى الحرب. ونظرًا للقوة العالمية للولايات المتحدة، فإن مثل هذا التغيير في اليمين الأمريكي سيكون له تأثير عميق على اليهود في جميع أنحاء العالم.

في النهاية فإن كل هذه التغيرات تجعل من تصريحات نايجل فاراج في شبابه شديدة الأهمية وليست "طيش شباب" كما أراد فاراج أن يصورها. ونعلم أن للماضي عادة سيئة في التطفل على الحاضر والمستقبل.

المصدر: The Guardian

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب



إقرأ المزيد