الذكاء.. الموازنة بين رقائق الغرب
إيلاف -

لم يعد النفط العملة الوحيدة للثروة والنفوذ العالمي؛ بل أصبحت البيانات والذكاء الاصطناعي (AI) هي العملة الجديدة، ومن ثم أضحت الرقائق الإلكترونية هي خطوط الإمداد الحيوية.

في هذا السياق، تضع المملكة نصب عينيها هدفاً طموحاً يتمثل في التحول من مستهلك للذكاء الاصطناعي إلى قوة تصديرية لمنتجاته ونماذجه وقدراته الحاسوبية، وهي رؤية تتطلب استراتيجية استثمارية وعلمية دقيقة تهدف إلى خلق رافد اقتصادي جديد ومستدام.

يُعد هذا التوجه الجديد رافداً اقتصادياً ضخماً، حيث يمثل فرصة غير مسبوقة لتوطين صناعات واعدة غير موجودة في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، فالذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يعتمد عليه مستقبل الخدمات والمنتجات، لا يمكن تدريبه وتشغيله دون وحدات معالجة الرسوميات المتقدمة، التي تهيمن عليها شركات أمريكية مثل إنفيديا وأدفانسد مايكرو ديفايزز.

يفسر ذلك التحركات السعودية الأخيرة المدروسة بعناية؛ فبدلاً من مجرد شراء التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، يكون الاستثمار في بناء بنية تحتية تقنية حاسوبية ضخمة تسمح بتدريب النماذج اللغوية الكبيرة، بما في ذلك تطوير نماذج قوية باللغة العربية، وهو ما يشكل قيمة مضافة هائلة للمنطقة ويسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي.

شركة "هيوماين"، التي أطلقها صندوق الاستثمارات العامة، هي الذراع التنفيذي لهذه الرؤية، وتعمل على بناء مراكز بيانات عملاقة، فكانت أحدث خطواتها، شراكتها التي تتضمن استثماراً أولياً بنحو 3 مليارات دولار لإنشاء مجمع لمراكز البيانات، بهدف جعل المملكة ثالث أكبر مزود لقدرات الحوسبة عالمياً بحلول عام 2030.

هذا الاستثمار الضخم يفتح أبواباً واسعة للاستثمار الأجنبي المباشر في قطاعات التقنية المتخصصة، كما يعزز قدرة الشركات المحلية على المنافسة عالمياً.

إن نجاح هذه الاستراتيجية سيضع المملكة في مكانة عالمية متعددة الأوجه، أبرزها التحول من اقتصاد قائم على الهيدروكربون إلى اقتصاد قائم على البيانات والخدمات الرقمية عالية القيمة.

يتطلب ذلك إدارة دقيقة للتحالفات التقنية في ظل التنافس العالمي المحتدم، والموازنة بين الشراكات الأمريكية، لضمان الوصول إلى التقنية المتقدمة، والتعاون مع دول أخرى، مثل الصين، بهدف توطين التصنيع ودخول الأسواق الآسيوية.

ولعل سباق الذكاء الاصطناعي، أصبح سباقاً على البنية التحتية للطاقة والرقائق والمواهب، لذا نرى المملكة اليوم تستخدم ثقلها الاقتصادي والسياسي وموقعها الاستراتيجي؛ لتصبح رقماً فاعلاً اقتصادياً ومؤثراً في هذا المجال، وليس مجرد مستهلك لتلك التقنيات.

يؤكد هذه الخطوات الاستراتيجية أن المملكة لا تنظر إلى الذكاء الاصطناعي كأداة تكميلية، بل كرافعة أساسية للتنمية الاقتصادية المستدامة وضمان مكانة المملكة كمركز رقمي عالمي يربط آسيا وأوروبا وأفريقيا، مع قدرة تصديرية تشمل خدمات الحوسبة السحابية وحلول الذكاء الاصطناعي المتخصصة.



إقرأ المزيد