أستحق أن أعيش بسلام!
إيلاف -

سمر المقرن

في حياة الإنسان، هناك أشياء كثيرة تأتي بصخبٍ وضوضاء، ونسمع خبرها قبل أن نراها. لكن التغيير الحقيقي ذاك الذي يلمس أعماقنا، لا يأتي بهذه الطريقة. التغيير الأعمق غالبًا يولد في الصمت، وينمو في المساحات التي لا يراها أحد، ويعيش في تلك اللحظات الخفية التي تمرّ علينا دون أن ندرك أن الله يجهّز لنا فيها نسخة أجمل من أنفسنا.

أحيانًا نعتقد أن التحوّلات لا بد أن تكون واضحة، مليئة بالقرارات الكبيرة والانتقالات الصارخة، لكن الحقيقة أن الإنسان يتبدّل تدريجيًا، كنسمة ليلٍ تشق طريقها برفق. لا تُحدث ضجيجًا، لكنها تغيّر حرارة الهواء حولها. هكذا تمامًا يتحوّل القلب؛ ببطء، وبخطوات خفيفة، وبهمسٍ لا يسمعه إلا صاحبه.

التغيير الهادئ ليس ضعفًا كما يظن البعض، بل هو قوة ناعمة، وقوة النعومة أعظم من قوة الصخب. لأنه تغيير ناضج، لا يبحث عن إثبات ولا ينتظر تصفيقًا. كل ما يريده هو أن يجعل الإنسان أعمق، أهدأ، وأصفى. وهذه التحوّلات عادةً لا تبدأ بقرارات كبيرة، بل بنية صغيرة، بلمحة وعي، أو بشعور داخلي يقول: «أستحق أن أعيش بسلام أكبر»..!

في لحظات الصمت وحدها نسمع صوتنا الحقيقي. نسمع نبض الروح وهي ترتّب نفسها من جديد، كأنها تعود إلى موقعها الصحيح. وهذا ما يجعل التغيير الهادئ مختلفًا؛ لأنه تغيير ينشأ من الداخل، لا من الظروف ولا من الناس. ينشأ من رغبة صادقة في أن نرتقي، في أن نفهم أنفسنا أكثر، وفي أن نتخلّى عن الأشياء التي أثقلت صدورنا لسنوات ولم نكن نملك الشجاعة لتسمية ثقلها.

العجيب أن العالم لا يلاحظ هذه التحوّلات في بدايتها، لكنها تظهر على هيئة سكينة. يظهر أثرها في صوتٍ أصبح ألطف، في ردة فعل صارت أهدأ، في تقبّلٍ أعمق للحياة كما هي. التغيير الهادئ يُرى في العين قبل الكلمات، وفي الطريقة التي نتعامل بها مع الأشياء من دون أن نفهم كيف تغيّرنا بالضبط.. فقط نعرف أننا لم نعد نفس الشخص.

ولأن الروح لها طرقها في النضج، فإن أجمل مراحلنا تلك التي لا نعلنها، بل نعيشها. تلك التي لا نشعر أننا تغيّرنا فيها إلا حين ننظر إلى الوراء ونبتسم.. لأننا تجاوزنا شيئًا ما بنعومة، ونجونا من صخبٍ لا يناسب أرواحنا!.



إقرأ المزيد