إيلاف - 11/20/2025 1:48:23 AM - GMT (+3 )
معرض «سيتي سكيب 2025» حدث استثنائي يُعيد تعريف مستقبل التطوير العقاري ليس في المملكة فحسب، بل على مستوى المنطقة والعالم. بتنظيم من وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، وبالشراكة مع شركات عالمية، يُقدِّم المعرض نموذجًا حيويًّا لرؤية السعودية 2030، حيث يجتمع أكثر من 300 عارض من 40 دولة، ويستقطب آلاف الخبراء والمستثمرين، ليشكل منصةً لعرض المشاريع الطموحة التي ترسم ملامح المدن المستقبلية.
لم يعد القطاع العقاري في السعودية مجرد سوقٍ تقليدي؛ فقد حوَّلته رؤية 2030 إلى محرك استراتيجي للتنويع الاقتصادي. مشاريع مثل «نيوم» و»القدية» و»الدرعية» لم تعد أحلامًا على الورق، بل واقعٌ يُبنى بسرعة قياسية، مستفيدًا من استثمارات تجاوزت 500 مليار دولار في السنوات الخمس الماضية. يُبرز «سيتي سكيب 2025» هذه النقلة عبر جناح خاص يعرض تقنيات البناء الذكي، وحلول الطاقة المستدامة، ونماذج المدن الذكية التي تدمج الذكاء الاصطناعي مع التخطيط الحضري. كما يسلط الضوء على الإصلاحات التنظيمية التي فتحت الباب أمام الاستثمار الأجنبي، مثل تيسير تملك العقارات للمقيمين، وتدشين صناديق استثمارية متخصصة.
بينما تُعتبر معارض مثل «MIPIM» في فرنسا و»إكسبو ريال» في ألمانيا أعمدةً في القطاع العقاري العالمي، يتميز المعرض بتركيزه على المشاريع التحوُّلية التي تدعمها الإرادة السياسية والمالية الحكومية. فعلى عكس «MIPIM»، الذي يركز على الصفقات التجارية التقليدية، يطرح معرض الرياض رؤيةً شاملة تدمج بين البنية التحتية والمجتمعات المستدامة، مدعومة بتمويل حكومي مباشر. كما أن نسخته في الرياض تتفوق على نظيرتها في دبي من حيث الحجم والطموح، كونها منصةً لعرض المشاريع السيادية الكبرى، وليس فقط الفرص الاستثمارية الخاصة. هذا التمايز يعيد تعريف مكانة السعودية كجسرٍ بين الأسواق الناشئة والمتقدمة، خاصة مع تركيزها على الابتكار في «تكنولوجيا العقارات» (PropTech) والطاقة النظيفة.
يتوقع الخبراء أن يشكل «سيتي سكيب» نقطة تحول في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى السعودية، حيث من المتوقع توقيع صفقات تتجاوز قيمتها 20 مليار دولار خلال أيام المعرض. الأهم هو تحفيز الشراكات الاستراتيجية بين الشركات السعودية والعالمية لنقل التقنيات المتقدمة، مثل مواد البناء الصديقة للبيئة، وأنظمة إدارة المباني الذكية. كما سيُسهم في دعم رفع نسبة التملك السكني إلى 70 % بحلول 2030، عبر عرض حلول سكنية مبتكرة تلبي احتياجات الشباب السعودي. من ناحية أخرى، سيكرس المعرض مفهوم «التطوير المسؤول»، حيث ستُعرض مشاريع تحافظ على الهوية الثقافية، كـ»مشروع تروجنا» في القدية، الذي يدمج بين الحداثة والتراث.
يُبرز «سيتي سكيب» أيضًا التزام السعودية بتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والمسؤولية الاجتماعية. ففي ظل التركيز على المشاريع الضخمة، خصص المعرض جزءًا كبيرًا لعرض مبادرات الإسكان الاجتماعي التي تستهدف الطبقات المتوسطة والشابة، مثل برنامج «سكني» الذي قدم أكثر من 300 ألف وحدة سكنية بتمويل ميسر منذ 2023. كما تشهد منصات «الابتكار المجتمعي» حضورًا لمشاريع صغيرة ومتوسطة قادها رياديون سعوديون، تدمج بين الذكاء الاصطناعي وتخطيط المساحات الخضراء لتعزيز جودة الحياة.
وفي سياق الاستدامة، أطلقت وزارة الشؤون البلدية مبادرة «مدن خالية من الكربون»، حيث تعرض نماذج لمشاريع في الرياض والدمام تعتمد على مواد بناء قابلة لإعادة التدوير وأنظمة طاقة شمسية متطورة، ما يعكس التزام المملكة باتفاقية باريس للمناخ. هذه الجهود لا تُعزز مكانة السعودية كرائدة في التطوير العقاري فحسب، بل تحولها إلى نموذج يُحتذى به في دمج التقدم الاقتصادي مع الحفاظ على البيئة والمجتمع.
لا يقتصر تأثير «سيتي سكيب 2025» على الصفقات المالية؛ بل يمتد إلى إعادة تشكيل الصورة الذهنية للسعودية كوجهة للابتكار العقاري. بفضل دعم القيادة الرشيدة، أصبحت الرياض مركزًا جاذبًا للعقول والرؤوس المال، مُثبتةً أن التحوُّل الحقيقي يبدأ عندما تتوحد الرؤية الطموحة مع التنفيذ الدقيق. وفي هذا السياق، يُذكر قول صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان: «نحن لا نبني مدنًا، بل نبني غدًا يليق بأبنائنا وأحفادنا»، فالعقار ليس مجرد حجارة، بل حكاية إنسان يصنع المستقبل.
إقرأ المزيد


