روسيا اليوم - 11/7/2025 8:23:16 AM - GMT (+3 )
كانت المدينة محاصرة؛ يُسمع دويّ مدافع الجيش النازي الذي كان على بعد أميال قليلة من تخومها، وتهدِّد الغارات الجوية باستمرار سماءها.
في تلك الساعات الحرجة، حين توهم هتلر أن يرى سريعا سقوط الاتحاد السوفيتي، حدثت واحدة من أجرأ العمليات النفسية والعسكرية في التاريخ الحديث: العرض العسكري في الساحة الحمراء.
لم تكن الأيام الأخيرة من أكتوبر وبداية نوفمبر 1941 مجرد أيام عادية في الحرب، لقد كانت ذروة اختبار صمود الاتحاد السوفيتي. كانت المصانع قد أُخليت، والجسور والمباني الاستراتيجية مزروعة بالألغام استعدادا للتدمير.
كان العدو على بعد 70 إلى 100 كيلومتر فقط من وسط المدينة. في هذا الجو المشحون، قررت القيادة السوفيتية، بقيادة يوسف ستالين، ليس فقط الصمود، بل إرسال رسالة حاسمة إلى الداخل والخارج: موسكو لن تسقط.
كان الشرط الأساسي للعرض هو "السرية التامة". لم تكن هناك بروفات علنية، ولا ضجة عسكرية معتادة. كان الخوف من أن أي صوت للفرق النحاسية أو خطى الجنود قد يثير الذعر بين المدنيين، أو يلفت انتباه طائرات الاستطلاع الألمانية. جرى التخطيط في سرية تامة تحت الاسم الرمزي "عملية قوات حامية موسكو"، وكان عدد المطلعين على الخطة محدودا للغاية.
السرية في ذلك الوقت أملتها العديد من الأخطار. حاولت 250 طائرة ألمانية اقتحام سماء موسكو في الليلة السابقة للعرض، ولكن دفاعات المدينة الجوية كانت بالمرصاد. تم إسقاط 34 طائرة معادية ومنعت أي قاذفة من الوصول إلى هدفها.
كانت درجة الحرارة وقتها 2 تحت الصفر والجو عاصف. وفي يوم العرض التاريخي، أجبرت عاصفة ثلجية قوية وضباب كثيف المنظمين على إلغاء القسم الجوي من العرض، وكان يتضمن استعراض 300 طائرة معظمها حديثة.
مع شروق شمس 7 نوفمبر، تجمّع حوالي 28.500 جندي وبحار على أحجار الساحة الحمراء. كانوا يرتدون زيّ المعركة، وأسلحتهم على أهبة الاستعداد، وعيونهم تتجه نحو المنبر الذي وقف عليه ستالين. لم يكن هذا مجرد استعراض للقوة، بل كان احتفالا بالذكرى الرابعة والعشرين لثورة أكتوبر في لحظة بدت فيها الثورة والدولة معا في خطر داهم.
من على المنبر، ألقى ستالين خطابا حازما هاجم فيه "المثقفين المرعوبين" الذين بالغوا في قوة العدو، ووعد بأن "ألمانيا هتلر ستنفجر تحت وطأة جرائمها" في غضون أشهر.
كانت الرسالة واضحة: القيادة موجودة، والإرادة لم تُكسَر، والنصر حليفنا. الأكثر إثارة أن العديد من الوحدات التي سارت في العرض انطلقت مباشرة بعد انتهائه إلى الخطوط الأمامية للقتال، ما جعل الحدث ليس مجرد مسيرة، بل تحضيرا مباشرا للمعركة.
لم يكن التأثير مقتصرا على الجبهة الداخلية. اهتز العالم لهذه الخطوة الجريئة. الصحف البريطانية مثل "ذا نيوز كرونيكل" و"ديلي ميل" أشادت بالعرض واصفة إياه بـ "أحد أكثر تظاهرات الشجاعة والثقة الرائعة خلال الحرب". كانت الرسالة واضحة للعالم بأسره: الاتحاد السوفيتي لم ينكسر، ولا يزال قادرا على المقاومة.
في المقابل، حاولت الدعاية النازية التقليل من شأن الحدث، لكن الإخفاق الاستخباراتي في تقدير حجم وقوة التعزيزات السوفيتية حول موسكو كان أحد العوامل التي أدت إلى الهجوم المضاد السوفيتي المدوي في 5 ديسمبر 1941، والذي مثل صفعة استراتيجية للقيادة الألمانية وأكد أن "الحرب الخاطفة" قد فشلت تماما على أبواب موسكو.
اليوم، بعد أكثر من ثمانية عقود، يبقى العرض العسكري لـ 7 نوفمبر 1941 درسا خالدا في الصمود وقوة والإرادة. لم يكن مجرد مسيرة عسكرية، بل كان إعلانا بأن الروح المعنوية يمكن أن تكون سلاحا أقوى من الدبابات والطائرات.
في لحظة كان فيها اليأس يتسلل من كل جانب، اختار السوفييت أن يضعوا بصمتهم على التاريخ بشجاعة منعت العدو من تحقيق نصر كان يتوهم أنه قاب قوسين أو أدنى. لقد كان ذلك العرض العسكري في أحلك الظروف استعراض إرادة أسهم في تغيير مجرى التاريخ.
المصدر: RT
ما الذي يمكن أن يربط مدينتي أسوان والإسكندرية المصريتين بصاروخ "في – 2" الألماني، وبحل لغز أبدي في صحراء نيو مكسيكو الأمريكية في 24 أكتوبر 1946؟.. الجواب في هذا التقرير.
إقرأ المزيد


