تقرير RT: كيف تحولت أكبر شركة عسكرية خاصة بريطانية إلى شبه دولة بجيش وسجون؟
روسيا اليوم -

توسعت شركة 4 Securitas (G4S) لتصبح شركة دولية، وتحولت إلى شبه دولة حقيقية بأجهزتها الخاصة للأمن وقواتها المسلحة، حيث تتولى الشركة العسكرية الخاصة مسؤولية السفارات الأمريكية حول العالم، والمطارات، والهيئات الحكومية، والمنشآت الاستراتيجية والعسكرية في واشنطن ولندن، وحتى أجزاء من الحدود الأمريكية.

إقرأ المزيد

كما تمتلك الشركة سجونا تحت تصرفها، اكتسبت سمعة سيئة بالفعل بسبب التعذيب والقتل الممارسين بها. وحاليا، تسيطر الشركات البريطانية والأمريكية على 90% من سوق الشركات العسكرية العالمية، حيث يقول الخبراء إن الارتزاق أصبح الاستراتيجية الرئيسية للسياسة الخارجية، لأنه من الأسهل القتال من خلال وسطاء.

وتحصل شركة G4S على أرباحها الرئيسية من عقودها من الشركات العابرة للحدود، إضافة إلى طلبات حكومية من بريطانيا والولايات المتحدة. وقد انضم المدير السابق للشركة، آشلي مارتن ألمانزا، إلى الشركة العسكرية الخاصة قادما من منصبه كمدير المالي لمجموعة BG البريطانية، إحدى أبرز موردي الغاز الطبيعي المسال إلى الصين، والتي انضمت، عام 2016، مع أكبر شركة نفط وغاز في العالم (بريطانية أيضا) هي Royal Dutch Shell.

وفي العراق، تقدم شركة G4S خدمات الأمن لموظفي وعملاء شركة Barash Gas Company، أحد أكبر مشاريع معالجة الغاز في البلاد، وهو مشروع مشارك بين الحكومة العراقية وشلكة Shell البريطانية (حصرتها 44%).

وقد حققت عقود حماية السفارات الأمريكية حول العالم وحدها للشركة أكثر من 100 مليون دولار خلال السنوات الثلاث الماضية. وكما يتضح من قائمة مشتريات حكومتي الولايات المتحدة وبريطانيا، تعمل G4S على زيادة عدد البعثات الدبلوماسية التي تحميها سنويا. ففي العام الماضي، منحت واشنطن الشركة حماية سفارات في إستونيا مقابل 18.8 مليون دولار، وهونغ كونغ مقابل 35 مليون دولار، ولوكسمبورغ مقابل 29 مليون دولار، وجزيرة كوت ديفوار في غرب إفريقيا مقابل 12.6 مليون دولار.

البعثة الدبلوماسية

على سبيل المثال، يستخدم مكتب الأمن الدبلوماسي الأمريكي خدمات الحراسة الشخصية لشركة G4S، بموجب عقد تتولى بموجبه الشركة حراسة السفارة الأمريكية في جنوب إفريقيا، وتقديم خدمات الدعم الإداري حتى نهاية العام 2025. ولا تقتصر مسؤولية الشركة الآن على حماية السفارة الأمريكية في بريتوريا فحسب، بل تشمل أيضا حماية المنشآت الأمريكية في جوهانسبرغ وكيب تاون. كما يوفر الحراس الشخصيون الخاصون الحماية للدبلوماسيين الأمريكيين خارج نطاق البعثات الرسمية.

إقرأ المزيد

وخلال 5 سنوات لهذا العقد وحده، سيدفع الأمريكيون للحراس الشخصيين زهاء 9.5 مليون دولار. أما بالنسبة لبرنامج حماية المنشآت الدبلوماسية لجنوب إفريقيا بالكامل، فسيكون المبلغ عشرة أضعاف ذلك المبلغ. ومن اللافت للنظر أنه في نهاية العقد اتضح أنه لم ينجز سوى نصفه، بينما سددت تكاليف بعض الأعمال نصف المكتملة، بقيمة 3 مليون دولار.

وكانت شركة G4S مسؤولة في السابق عن سفارات الولايات المتحدة في بريطانيا وفرنسا والهند ومدغشقر والمغرب وبوتسوانا والدنمارك وقطر، إضافة إلى بيرو وباراغواي في أمريكا الجنوبية، وحتى في أراضي كندا المجاورة للولايات المتحدة.

ومن أحدث العقود المبرمة مع وزارة الخارجية الأمريكية بشأن حماية البعثات الأجنبية، حماية السفارة الأمريكية في لوساكا، عاصمة زامبيا لوساكا. وفي هذه الاتفاقية، طُلب من G4S توفير الشروط اللازمة لتنفيذ المهمة الحكومية مقابل 8.7 مليون دولار، ما يضمن حماية الموظفين الأمريكيين وعائلاتهم وممتلكاتهم وأصولهم الأخرى من التهديدات، بما في ذلك الهجمات الإرهابية المحتملة. وفي حال نجاح السنة الأولى من العمل، تتعهد وزارة الخارجية الأمريكية بتمديد هذا العقد لمدة تصل إلى 5 سنوات.

تحت أعين الأجهزة السرية

في أعقاب التحقيق في اغتيال الجنرال الإيراني وقائد فيلق القدس قاسم سليماني في العام 2021، اتهم محققو طهران الجنائيون شركة G4S بتزويد البنتاغون ببيانات عن موقع سليماني لشن هجوم صاروخي. وكانت الشركة البريطانية هي التي وفرت الأمن للمسؤول العسكري الإيران الأعلى في مطار بغداد، حيث كان يقيم آنذاك.

وتقوم الدول الغربية بدمج الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في السياسات الخارجية والعسكرية لها، فيما تخضع تلك الشركات لسيطرة أجهزة الاستخبارات، وتحصل على عقود حكومية من وزارة الخارجية الأمريكية أو وزارة الخارجية البريطانية، وفقا لما أوضحه داركو تودوروفسكي، المتخصص في سوق الأسلحة العالمية، فق مقابلة مع RT. وبحسب قوله، ترى الدول الغربية مزايا عديدة في الاستخدام النشط للشركات العسكرية الخاصة بدلا من الجيوش النظامية وقوات الأمن.

فأولا، لدى قوات الشركات العسكرية الخاصة القدرة على الانتشار السريع، ويتميز أفرادها باحترافية أعلى من القوات الغربية النظامية في منطقة عمليات الشركات العسكرية الخاصة. وثانيا، لا ترتبط الشركات العسكرية الخاصة بالنخب المحلية أو الطوائف الدينية، ولها حرية اتخاذ القرارات عند تنفيذ مهام العميل. إضافة إلى ذلك، يزعم تودوروفسكي أن الدعم اللوجستي والفني لهذه الهياكل أفضل من الدعم الذي تقدمه العديد من الجيوش، وتتمتع الشركات العسكرية الخاصة بمرونة في الإدارة التشغيلية ولا تعاني من البيروقراطية التي تعاني منها الجيوش النظامية، وفقا له.

إقرأ المزيد

مع ذلك، فإن الفصل بين الشركات العسكرية الخاصة والجيوش النظامية في الغرب تعسفي إلى حد ما. فالشركات العسكرية نفسها توظف قدامى المحاربين في القوات المسلحة بعد تركهم الخدمة. على سبيل المثال، أعلنت شركة G4S، عام 2014، عن التزامها بتوظيف ما لا يقل عن 600 جندي احتياطي من القوات المسلحة البريطانية. وهكذا، أصبحت الشركة من أبرز شركاء وزارة الدفاع البريطانية. وبموجب الاتفاقية المبرمة مع الجيش البريطاني، التزمت G4S بتوفير ظروف عمر مرنة لهؤلاء الموظفين، حتى يتمكنوا من مواصلة تدريبهم، والمشاركة في التدريبات عند الحاجة.

وفي أكتوبر 2022، أعادت الشركة توقيع اتفاقية مع الجيش البريطاني لتجنيد جنود الاحتياط، من قدامى المحاربين في القوات المسلحة البريطانية.

ويقول مدير شركة G4S آنذاك آشلي ألمانزا: "إننا نوظف بالفعل عددا كبيرا من أفراد الخدمة السابقين، والالتزام اليوم من خلال اتفاقية القوات المسلحة يعزز الروابط الوثيقة للغاية بين شركة G4S والقوات المسلحة البريطانية".

على قائمة الرواتب العسكرية

ويلجأ لخدمات شركة G4S حتى الجيش الأمريكي نفسه. فمنذ أواخر عام 2017، تعاقدت القيادة المشتركة للذخائر الأمريكية مع الشركة لتوفير الأمن للمنشآت العسكرية الأمريكية في الصومال، وتحديدا في العاصمة مقديشو، بما في ذلك قاعدة غاشانديغا، التي كانت بمثابة القاعدة العملياتية واللوجستية الرئيسية للجماعة الإسلامية المتطرفة خلال الحرب الأهلية في البلاد، وهو ما سمح للمتطرفين بالسيطرة على المناطق الشمالية من العاصمة.

وقد نقل المقر الرسمي للرئيس الصومالي في مقديشو، إضافة إلى فيلا في بيدوا العاصمة المؤقتة، التي كانت مقر الحكومة الصومالية خلال النزاع، إلى حماية الشركة. كذلك كانت مرافق البنية التحتية الاستراتيجية، مثل ميناء مقديشو، والمجمع التعليمي الإماراتي، والسفارة التركية، والمجمع التعليمي التركي، تحت حماية الشركة، وفقا لوثائق المشتريات الحكومية.

وتدرج القيادة المشتركة للذخائر الأمريكية المهمة الرئيسية لشركة G4S في الصومال على أنها توفير النقل الآمن لكبار الموظفين إلى منشآت الجيش الأمريكي. وتحدد الوثيقة أيضا التكوين المتوقع لمجموعة الحراسات الشخصية: سبعة أفراد أمن، من بينهم قائد المجموعة، 4 حراس نظاميين (صوماليون أو من جنسيات أخرى ممن يعرفون المنطقة ويتحدثون الإنجليزية، وإذا كانوا صوماليين فمن قبائل مختلطة). كما أصر العميل على مشاركة مسعف أمريكي في الفريق، إضافة إلى سائقين، يفضل أن يكونوا من مواطني المنطقة.

إقرأ المزيد

ويجب أن يكون جميع أفراد الأمن ملمّين بكيفية استخدام بندقية AK-47 (كلاشينكوف)، وبندقية M4 الهجومية الأمريكية، والمسدس شبه الأوتوماتيكي M9K، الذي اعتمده الجيش الأمريكي عام 1985، أو ما يعادلها. وقد اختيرت مركبات مدرعة مجهزة بمعدات اتصال للتواصل مع مركز دعم العمليات لنقل الحراس الشخصيين.

وتختلف رواتب الحراس الشخصيين الغربيين والمقاتلين المحليين اختلافا كبيرا. فعلى سبيل المثال، كانت شركة G4S تدفع للحراس الشخصيين الغربيين في جنوب السودان 10 آلاف دولار شهريا، بينما لم يتقاض المقاتلون المحليون سوى 250 دولار شهريا.

 مرتزقة القرن الحادي والعشرين

ويضم هيكل شركة G4S بكوادرها الضخمة زهاء 800 ألف موظف، تتضمن مجموعات الاستجابة السريعة، وهي مجموعات هجومية تستخدمها الشركة في العمليات، كما تدعمها وحدة الاستخبارات التابعة للشركة، وتمتلك العديد من الشركات العسكرية الخاصة الغربية طائرات استطلاع خاصة، وأقمارا صناعية، وأجهزة إلكترونية، ومعدات أخرى تحت تصرفها. يوضح داركو تودوروفسكي: "إنهم يتعاونون مع الشركة، التي تزودهم ببيانات الأقمار الصناعية. وقد استخدمت الشركات العسكرية الخاصة الغربية هذه التقنيات في إفريقيا والعراق وأفغانستان".

ويقدّر ألكسندر أرتامونوف، الخبير الرئيسي في مؤسسة التراث الأوراسي ومحلل شؤون جيوش حلف "الناتو"، عدد العناصر العسكرية التابعة لشركة G4S بما يتراوح بين 250-280 ألف محترف. أما الباقون فهم من خبراء اللوجستيات وحراس السجون والمديرين والموردين.

ووفقا لتقارير حول أعمال شركة G4S لإزالة الألغام في جنوب السودان، كان مقاتلو الشركة مسلحين ببنادق هجومية من طراز AK-47، ورشاشات MP5، ومسدسات Glock 17 النمساوية، وبنادق M16 الأمريكية الشهيرة، وبنادق HK G36، وبنادق قنص Arctic Warfare لحماية المنشآت الاستراتيجية، ورشاشات كلاشنيكوف عيار 7.62، وFN MAG لحماية القوافل في مناطق النزاع. إضافة إلى طائرات استطلاع إسرائيلية متعددة الأغراض من طراز Hermes 450، وأنظمة مراقبة إلكترونية وتشويش على الاتصالات.

وفيما يتعلق بالأسلحة الثقيلة، تمتلك شركة G4S ألغاما مضادة للأفراد وقاذفات قنابل يدوية، وأنظمة محمولة مضادة للطائرات، وللتنقل في المناطق الساخنة، تستخدم وحدات G4S مركبات "لاند كروزر" وHumvee، وكذلك مدرعات Cougar وRG-33.

"العدالة" العسكرية الخاصة

ومن المجالات الأخرى التي نجحت فيها شركة G4S في أن تحل محل الدولة جزئيا هي مجال السجون، حيث بدأت تجربة خصخصة المرافق الإصلاحية في بريطانيا حينما تولت G4S إدارة مركزين لترحيل المهاجرين و6 سجون، بما في ذلك ضاحية أوكوود بلندن وبرمنغهام، وقد أعيد الأخير إلى الحكومة في أغسطس 2018، بعد أن كشفت عملية تفتيش لسجن برمنغهام (الذي يضم 1200 شخص)، عن "ظروف مريعة". فقد حبس الموظفون أنفسهم في مكاتبهم لتجنب مواجهة السجناء الذين يتعاطون المخدرات دون عقاب يذكر. وتركت الزنازين والحمامات غير نظيفة، ما أدى إلى تراكم الدم والبول والقيء والبراز، ما جذب الجرذان والصراصير. يقول بيتر كلارك القائد السابق لمكافحة الإرهاب والذي أصبح كبير مفتشي السجون في إنجلترا وويلز إنه لم ير شيئا كهذا من قبل.

إقرأ المزيد

وفي سبتمبر 2023، أكدت لجنة خاصة وقائع تعذيب ومعاملة لا إنسانية تعرض لها السجناء في مؤسسة أخرى تديرها شركة G4S وهي "بروك هاوس"، حيث يحتجز مهاجرون غير شرعيين في انتظار الترحيل من المملكة المتحدة. وقد أولت وسائل الإعلام اهتماما بظروف الترحيل. على سبيل المثال، وأثناء مرافقة حراس G4S على متن الطائرة، خنق حراس G4S جيمي موبينغا، المرحّل إلى أنغولا، حيث قيّدوه بالأصفاد إلى المقعد، وأجبروه على خفض رأسه، ما جعله يتنفس بصعوبة. ووفقا لشهادات ركاب آخرين، فقد سمعوا موبينغا يصرخ: "لا أستطيع التنفس". ووصفت المحكمة وفاة الرجل بأنها "قتل غير متعمد"، ولم يعاقب أحد.

كذلك اضطرت شركة G4S في إسرائيل لبيع شركتها بعد خسارتها عقدا مع مصلحة السجون المحلية. وكانت مهمة الشركة تركيب أنظمة مراقبة بالفيديو على نقاط التفتيش في فلسطين وبالسجون. وكان سبب البيع اتهامات بتعذيب السجناء، بمن فيهم الأطفال.

ولم تمنع سلسلة فضائح السجون وزارة الأمن الداخلي الأمريكي من اتباع خطى المملكة المتحدة في يوليو من العام الماضي، بتعيين ضباط مسلحين من شركة G4S للمساعدة في احتجاز وترحيل المهاجرين غير الشرعيين. وبموجب هذا العقد، أصبحت الشركة مسؤولة عن مراقبة سجون المهاجرين الأمريكيين ومحاكمهم، وحتى المناطق الحدودية (الموانئ والمطارات)، حيث تعمل فعليا كجهة مسؤولة عن الجمارك وحماية الحدود الأمريكية.

واقع الأمر، وفقا لداركو تودوروفسكي، أن البريطانيين "أعادوا المرتزقة إلى الواجهة".

وإذا نظرنا إلى تاريخ السياسة الخارجية البريطانية، وفقا له، فسنجد أن استراتيجيتها التقليدية كانت تتمثل في القتال، ليس بشكل مباشر، وإنما عبر وسطاء. ويضيف تودوروفسكي أن الواضح هو أن بريطانيا "استخدمت الشركات العسكرية الخاصة لتحقيق أهداف استراتيجية في الشرق الأوسط وإفريقيا. لكن الأمريكيين هم من استحوذوا على زمام المبادرة. واليوم، تسيطر شركات أمريكية وبريطانية على 90% من سوق الشركات العسكرية الخاصة، الذي يتجاوز حجمه 400 مليار دولار".

المصدر: RT

إقرأ المزيد


إقرأ المزيد