الخط العربي.. حين يقف خارج نطاق الخوارزميات
جريدة البلاد - 11/30/2025 4:05:48 AM - GMT (+3 )
جريدة البلاد - 11/30/2025 4:05:48 AM - GMT (+3 )
خطاطون بحرينيون يحصلون على إجازات دولية تعزز حضورهم العالمي
دعوات لإدراج الخط العربي في مناهج المدارس
ملتقى أسبوعي يحافظ على هوية الخط العربي في البحرين
تعليم الخط خطوة مطلوبة لحماية جمال الكتابة
يشكل الخط العربي أحد أبرز مكونات الهوية الثقافية والفنية في البحرين، إذ ما يزال يحافظ على حضوره وسط التحولات الرقمية المتسارعة. وبينما تتوسع تقنيات الذكاء الاصطناعي وبرامج التصميم، يواصل الخطاطون البحرينيون جهودهم في صون جمال الحرف العربي وتطوير مدارسه وأساليبه، عبر ملتقيات وورش تدريبية تجمع شغف الفنانين وخبراتهم؛ ما يصنع مشهدا فنيا متجددا يعكس ارتباط المجتمع بهذا الإرث العريق.
وفي هذا الصدد، يحرص العشرات من الخطاطين البحرينيين على صون جماليات الخط العربي وتنوع أشكاله وأنواعه، مثل الثلث والرقعة والتعليق والنسخ والمرقع والثلث الجلي والكوفي والديواني، وغيرها من الخطوط المستخدمة في الكتابة والزخرفة والتصميم وصياغة الهويات والشعارات.
وإلى جانب هذه الفنون تتطور باستمرار أساليب الخط العربي وتطبيقاته، إذ أسس الخطاطون في المملكة قبل نحو 15 عاما تجمعا أسبوعيا يضم عشرات الممارسين مساء كل ثلاثاء، لإقامة ورش تدريبية يجري فيها تبادل الخبرات والعصف الذهني والاطلاع على تجارب فنية متنوعة تسهم في تطوير مهاراتهم.
وعلى الرغم من التحديات التي فرضتها الثورة الرقمية وبرامج الذكاء الاصطناعي والتصميم وبرامج النسخ، يؤكد معظم الخطاطين أن جماليات الخط البشري لا يمكن الاستغناء عنها حتى في ظل هيمنة التقنيات الحديثة.
ودعا مؤسسو ملتقى خطاطي البحرين، الذي يجتمع أعضاؤه في ورشة خاصة داخل جمعية البحرين للفن المعاصر بمنطقة الجفير، إلى إدراج مادة تعليم أنواع الخط العربي ضمن المناهج المدرسية للحفاظ على هوية الخط في ظل الاعتماد الواسع على الكتابة الرقمية عبر الأجهزة الذكية، مؤكدين أن الخط العربي يعد جزءا أصيلا من الهوية الإسلامية، وأن الحفاظ على انسيابية الكتابة لدى الأجيال الجديدة ضرورة لحماية جودة خطوطهم.
ملتقى الخط العربي
وفي هذا السياق، قال مشرف الملتقى الخطاط علي الجد، لدى زيارة مؤسسة “البلاد” الإعلامية للقاء الخطاطين في تجمعهم الأسبوعي، إن فكرة إنشاء هذا التجمع بدأت في العام 2012 عبر مجموعة على تطبيق “واتساب” هدفت إلى جمع الخطاطين على منصة واحدة لتبادل الآراء والأفكار وبدء تنظيم معارض فنية متواضعة، ثم تطور المشروع إلى تجمع حضوري في مركز شباب رأس رمان لتفعيل اللقاءات المباشرة وتوسيع المشاركة في المعارض المحلية والخارجية، والاطلاع على تجارب فنية متميزة والاستفادة من خبرات كبار الخطاطين.
وأشار الجد إلى أنه تم تنظيم 3 معارض في البدايات، قبل أن تحتضن جمعية البحرين للفن المعاصر التجمع وتوفر قاعة مخصصة لورش العمل، بمشاركة خبراء من دول مختلفة لتعلم فنون وأسرار الخط والزخرفة الإسلامية ودمجها بالخط العربي بما يعزز جمالياته.
وأوضح الجد أن تبادل الخبرات مع الخطاطين الدوليين أسهم في بناء جسور تعاون مع جهات فنية مرموقة، منها مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إرسيكا) التابع لمنظمة التعاون الإسلامي؛ ما أتاح للخطاطين البحرينيين الاطلاع على التجارب التركية الرائدة في هذا الفن، وقد اكتسب العديد منهم خبرات مهمة عبر الورش والدورات والمشاركات الدولية في العامين 2022 و2023؛ الأمر الذي عزّز حضور الخطاط البحريني في المحافل العالمية، وحصل بعض الخطاطين على إجازات دولية معترف بها.
تطور الخط بالمملكة
بدوره، قال الخطاط سلمان أكبر إن الخط العربي في البحرين شهد في السنوات الأخيرة تطورا لافتا بفضل دمج الزخرفة الفنية، مؤكدا أن الناس لا يمكن أن يهجروا الخط على رغم توافر برامج التصميم والذكاء الاصطناعي.
وأشار أكبر، إلى وجود جيل صاعد من الشباب يمتلك قدرات متميزة في التعامل مع فنون الخط والزخرفة.
وردا على سؤال “البلاد” عن تأثير الموجة الرقمية في فن الخط، أجاب أكبر بأن الفضاء الإلكتروني أتاح الاطلاع على المدارس الفنية والتجارب العالمية بفضل التكنولوجيا التي اختصرت عناء السفر وسهّلت الوصول إلى المعلومات، على عكس الماضي حين كان الخطاط يضطر للسفر إلى دول مثل مصر وتركيا وسوريا والعراق بحثا عن المعرفة.
وأضاف “اليوم كل شيء متوافر عبر الإنترنت، وهذا لا يقلقنا بشأن مستقبل الخط؛ لأن الخط للأمير كمال، وللغني جمال، وللفقير مال”. وأكد أن التحدي الحقيقي يتمثل في الاستمرار بالبحث والتعلم والاطلاع على النماذج الحديثة عبر الكتب أو المنصات الرقمية.
الخط والذكاء الاصطناعي
الخطاط علي شهاب رأى من جهته، أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تُعد أدوات مساعدة في تطوير جمال الخط، لكنها ليست بديلا منه؛ نظرا لتعقيدات هذا الفن التي تشمل التعامل مع القوالب والحروف والأبعاد والمساحات وتوزيع الكتلة وفق معايير هندسية دقيقة.
وأوضح شهاب أن الذكاء الاصطناعي يستطيع تقليد بعض الخطوط عبر البحث وتجميع المصادر من شبكة الإنترنت، لكنه ما يزال عاجزا عن مجاراة إبداع الخطاط العربي؛ لأن فن الخط يتضمن بنية جمالية معقدة يصعب على المعالج الرقمي استيعابها بالكامل، إلا أنه لم يستبعد أن تساهم التطورات السريعة في الذكاء الاصطناعي مستقبلا في إنتاج خطوط رقمية ذات جودة أعلى.
إجازة الخط العربي
وعن مفهوم إجازة الخط العربي، أوضح الخطاط محمد النشيمي الحاصل على إجازة دولية، أن الإجازة تعد بمثابة سند ينتقل من جيل إلى آخر على غرار تعلم أسانيد القرآن الكريم، وتشترط على الطالب الخطاط إتقان كتابة الحروف والزخرفة والنصوص بمستوى يوازي معلم الخط، وبمجرد حصول الخطاط على الإجازة، يصبح مخولا بوضع توقيعه على النصوص والمخطوطات؛ ما يجعلها علامة اعتراف بتميّز فني رفيع.
تدريس الخط في المدارس
ومن هذا المنطلق، دعا الخطاط فوزي الدرازي إلى إدراج الخط العربي كمادة في المناهج الدراسية للحفاظ على الخط كهوية عربية إسلامية، وتمكين الجيل الجديد من إتقان فنونه وتحسين جودة في الكتابة، في ظل توسع استخدام الوسائل الرقمية والألواح الذكية.
وأكد الدرازي أن الخط العربي إرث يجب الحفاظ عليه عبر التعليم والتدريب المستمر وتشجيع الطلبة على ممارسته باستمرار.
علاقة الخط بالزخرفة
أما الخطاط سيد أحمد العلوي، الذي يمارس الخط منذ مطلع التسعينات، فأكد أن ممارسة الخط تتطور مع الزمن، خصوصا عند دمج الخط مع الزخرفة الفنية، مثل توظيف الخط الديواني الجلي في الزخرفة لإنتاج أعمال فنية متميزة، على عكس الاستخدام التقليدي لبعض الخطوط.
ويرى العلوي أن الخط الديواني الجلي من أفضل الخطوط التي تتناغم مع الزخرفة، مشيرا إلى أن البرامج الرقمية أثرت نسبيا على عمل الخطاطين في مجال تصميم الشعارات أو الهويات التجارية؛ إذ سهّلت الوصول إلى بعض الحروف الأبجدية، إلا أن جمال الخط العربي الأصيل ما زال يحافظ على مكانته، وما يزال كثير من المتذوقين يفضلون اقتناء الأعمال الخطية الكلاسيكية التي يبدعها الخطاطون مباشرة.
إقرأ المزيد
إقرأ المزيد


