عارف خليفة لـ “البلاد”: الثراء السريع مقامرة مصممة لخوف البحرينيين من “فوات الفرصة”
جريدة البلاد - 11/30/2025 3:17:02 AM - GMT (+3 )
جريدة البلاد - 11/30/2025 3:17:02 AM - GMT (+3 )
حذر الباحث الاقتصادي والمحاضر المصرفي عارف خليفة، من أن ظاهرة الاستثمار الوهمي في البحرين أصبحت تمثل نمطًا اجتماعيًا وسلوكيًا خطيرًا، يتم تصميمه بعناية لاستغلال نقاط الضعف في الشخصية البحرينية وطريقة تعاملها مع المال.
وكشف خليفة في لقاء خاص مع “البلاد” عن الأساليب النفسية والتقنية التي يستخدمها المحتالون للإيقاع بضحاياهم، مشددًا على أن الرغبة في الثراء السريع والضغوط المعيشية تدفع كثيرين نحو فخاخ تبدو مقنعة في ظاهرها، لكنها تؤدي حتمًا إلى خسائر مالية واجتماعية فادحة، وذلك على الرغم من التحذيرات المستمرة من الجهات الرسمية كوزارة الداخلية ومصرف البحرين المركزي.
بلقائنا معه أبحر خليفة في عمق قضية الاستثمار الوهمي في البحرين، وكان اللقاء كالتالي:
نلاحظ تكرار قضايا الاستثمار الوهمي في البحرين على رغم التحذيرات الرسمية المستمرة. من وجهة نظرك كباحث اقتصادي، ما هو السبب الجذري وراء وقوع الناس في هذا الفخ مرارًا وتكرارًا؟
واضح أن الاستثمار الوهمي في البحرين أصبح نمطًا اجتماعيًا وسلوكيًا واقتصاديًا، تتم دراسته من قبل من يعرفون أسرار الشخصية البحرينية وكيف تتعامل مع المال، وفي كل مرة تعاد صياغته بأسماء ومنصات مختلفة، لكن التقنيات والأسباب متشابهة تقريبًا.
المشكلة ليست عرضية، السبب الذي يجعل الناس يقعون في الفخ على رغم تحذيرات الصحف ووزارة الداخلية وغيرها، هو ما نذكره في المحاضرات الاجتماعية والأكاديمية ويسمى “الخوف من فوات الشيء” (FOMO).
هذا الخوف موجود لدى الشباب المتهور في موضوع الثراء السريع، وهناك انحيازات نفسية تدفعهم للانجراف خلف ضمان الربح.
كيف يتمكن المحتالون من بناء هذه الثقة وخلق هذا الإقناع لدى الضحايا؟
عادةً، يظهر شخص قد يكون محل ثقة في المجتمع، وتكون هناك ثقة عمياء فيه. بعد ذلك، يتم تقديم إخراج منطقي ومسرحي مقنع جدًا.
يبدأ المحتال بدراسة الأشخاص القريبين منه ويعتمد على مجموعة منظمة وقصص نجاح مفبركة.
قد يشارك في هذا الترويج بعض “البلوقرز” أو “الفاشنستات”، سواء كانوا يعلمون أم لا. كما قد يأتون بأشخاص يمثلون دور المستثمرين الناجحين، وهم في الحقيقة مستثمرون مدفوع لهم لإيهام الناس بوجود المشروع. المشكلة أن الضحايا الحقيقيين يسكتون غالبًا.
ما هي نقاط الضعف المحددة في المجتمع التي يتلاعب بها أصحاب هذه المشروعات الوهمية؟
الاستثمار الوهمي يتلاعب بنقاط ضعف موجودة وواقعية في المجتمع البحريني، مثل ضغوط غلاء المعيشة، والحاجة لتعزيز الدخل، والرغبة السريعة في إثبات الذات. الكثير من شبابنا تنطلي عليهم هذه الحيل بسبب الوعود شبه المضمونة بتحقيق الأرباح.
في البداية، قد يتم أخذ أموال من مستثمرين جدد لإعطائها كأرباح للمستثمرين الأوائل، وهي الآلية نفسها التي تتكرر في كل مرة.
ذكرت أن الشباب هم الأكثر وقوعًا في هذا الفخ، ما هي أكبر ثغرة أو خطأ يرتكبونه؟
الكثير من الشباب الذين رأيتهم، كما في حالة منصات “الخبير”، لديهم ثغرة كبيرة أعدها فتنة، وهي أنهم لا يسألون عن الترخيص الرسمي، ولا يبحثون عن تاريخ الشركة، ولا يتواصلون مع الجهات الرسمية مثل مصرف البحرين المركزي أو وزارة الصناعة والتجارة. ويتم إقناعهم بأن هذا الاستثمار “ضمن دائرة ضيقة” في بدايته.
يجب أن يعلم الجميع أنه لا يوجد استثمار دون عقود رسمية ومؤسسات رسمية، هذا الحديث منتهٍ في جميع أنواع الاستثمار.
كيف يتعامل المحتالون مع من خسروا أموالهم بالفعل؟ هل يتركونهم أم يستغلونهم مجددا؟
المفارقة أن معظم الناس الذين يتضررون هم أنفسهم أو المقربون منهم يقعون. عندما يخسر الشخص، يقنع نفسه بأنه يجب أن يعوض خسارته؛ فيبحث عن فرصة أخرى. وهنا، يذهب أصحاب الاستثمارات الوهمية إلى الأشخاص الذين تعرضوا للضربة نفسهم، ويقولون لهم “سنرجع أموالكم”، وهكذا يدخلون في دوامة جديدة.
ما هو دور منصات التواصل الاجتماعي، مثل “تلغرام”، في تسهيل هذه العمليات؟
تلعب الشبكات الاجتماعية دورًا كبيرًا، خصوصًا المجموعات الخاصة على “تلغرام” التي تضمن عدم خروج الكلام. أستطيع القول إن 99 % من مجموعات الاستثمار على “تلغرام” وهمية وغير رسمية ومليئة بالمخاطر.
عادةً ما تكون المجموعة ضيقة، وأكبر عقبة تواجه الضحية هي عندما يحاول الخروج من الاستثمار، إذ يجد أنه لا يستطيع سحب أمواله.
لماذا يتردد الضحايا في الإبلاغ عن هذه الجرائم لدى الجهات المختصة؟
عندما نقول لهم اذهبوا وأبلغوا إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية، ونسهل لهم الأمور، يقول الضحية “كلها 200 دينار”. لكن تصور لو أن هذا المبلغ من 200 شخص، فإنه يصبح مبلغًا كبيرًا جدًا.
ومن هنا أشدد على أنه من المهم جدًا الاطلاع على الحملات التوعوية الرسمية والأمنية؛ لأنها تعرض قضايا حقيقية وتقدم نصائح عملية.
هناك تناقض واضح بين وعود الربح المرتفع وغياب المخاطر. كيف يمكن للمستثمر البسيط أن يفهم هذه المعادلة؟
أي استثمار في البحرين صعب أن يعطي عائدًا فوق 8 %، حتى المصرف المركزي يبحث بشكل دقيق ويحقق في مثل هذه الأمور. هناك قاعدة مالية بدهية: عوائد مرتفعة تعني مخاطر مرتفعة. من المفترض أن يسأل الناس الخبراء والمصرف المركزي. قصص الربح السريع تكون انتقائية وتحدث لواحد نجح لأنه يمتلك مهارات معينة.
فكرة الثراء السريع في البحرين هي فكرة خاطئة جدًا، ويجب نسيانها. الثروة المستدامة تأتي على مدى سنوات. الطريق السريع يوصلك أسرع، ولكن غالبًا إلى الهاوية وليس إلى الثراء.
ما هي العلامات التحذيرية التي تشير إلى أن منصة استثمارية ما هي إلا منصة وهمية؟
هناك إنذارات مبكرة عدة.
أولًا، لا يوجد في العالم المصرفي استثمار بمخاطر “صفر”، أي شخص يضمن لك أرباحًا كبيرة؛ فهذا يعني أن الاستثمار إما ذو مخاطر مرتفعة جدًا أو وهمي.
ثانيًا، غياب الخطة الواضحة والشفافية.
ثالثًا، المنصات الوهمية غير مرخصة وتنشئ واجهات استثمارية في مناطق خارجية. على الجميع التأكد من ترخيصها لدى مصرف البحرين المركزي.
لو أردنا تلخيص الأمر في ثلاث قواعد أساسية للمبتدئين في عالم الاستثمار، فماذا تكون؟
هناك ثلاث قواعد ذهبية:
لا تستثمر في شيء لا تفهمه.
لا تستثمر في شيء لا تتحمل خسارته.
لا تستثمر في شيء ذي مخاطر مرتفعة وأنت في بداية طريقك الاستثماري.
في النهاية، ما هي النصائح العملية التي تقدمها لتجنب هذه الاحتيالات؟
أولًا، تحقق من الترخيص وقانونية عروض الاستثمار؛ لأنك قد تصبح شريكًا في جريمة غسيل أموال دون أن تدري.
ثانيًا، يجب أن تكون لديك استراتيجية لسحب أموالك أو التحوط بإخراج رأس المال بعد فترة. إذا وجدت غرامات وعراقيل على السحب، فهذا مؤشر قوي على أن المنصة وهمية.
ثالثًا، لا يوجد ربح مضمون أبدًا.
رابعًا، في عمليات الدفع، أضمن وسيلة هي عبر البنك أو البطاقات الرسمية. لا تدفع عبر منصات وأنت لا تعلم إلى من تدفع. وأخيرًا، إذا وقعت ضحية للاحتيال، تواصل مع الجهات المعنية فورًا وأبلغها.
البعض يسوغ خسارته بالقول “حتى لو خسرنا، سنتعلم”. ما رأيك في هذه المقولة؟
هذا منطق خاطئ تمامًا. حتى لو خسرت، فلن تتعلم؛ لأنك إذا فهمت العملية التي يقومون بها، فستصبح مثلهم. هذا ليس درسًا، بل هو وقوع في فخ.
إذن، كيف تصف حقيقة البحث عن الثراء السريع في البحرين؟
يجب الاعتراف بأن البحث عن الثراء السريع في بيئة غير منظمة هو مقامرة. نعم، قمار وليس استثمارًا. يجب أن نركز على كرامة الناس وثقتهم المالية. الموضوع أصبح أكبر من مجرد خسارة مالية؛ فهناك خسائر اجتماعية ضخمة؛ إذ تفككت عوائل بسبب مظاهر الثراء السريع الزائفة.
وارن بافيت، أحد أعظم المستثمرين في العالم. ما الذي يمكن أن نتعلمه من فلسفته الاستثمارية؟
لدينا الآن مدرستان: مدرسة وارن بافيت، ومدرسة إيلون ماسك وبلقيس (كمثال على الشهرة السريعة). بافيت دائمًا يكرر مقولة مهمة: “الكثيرون يقرؤون نصائحي، ولكن القليلين يأخذون بها؛ لأنه لا أحد يريد أن يصبح ثريًا ببطء”.
بافيت، الذي يبلغ من العمر الآن أكثر من ثمانين عامًا، قضى 60 سنة في الاستثمار، والسيولة النقدية لديه قد تصل إلى تريليون دولار. في المقابل، إيلون ماسك أصغر سنًا ويمثل نموذج الثراء السريع. الناس تنجذب للنموذج الثاني، لكنه محفوف بالمخاطر الهائلة.
إقرأ المزيد
إقرأ المزيد


