كيف تبخرت ملايين البحرينيين في البنوك الإيرانية والاستثمارات الوهمية؟!
جريدة البلاد - 11/30/2025 3:13:11 AM - GMT (+3 )
جريدة البلاد - 11/30/2025 3:13:11 AM - GMT (+3 )
ثقافة القطيع قادت الكثيرين نحو الانتحار المالي
كوارث اجتماعية تتكرر بلا رحمة
نار الاستثمارات الوهمية لا تبقي ولا تذر
99 % من مجموعات الاستثمار على “تلغرام” وهمية وغير رسمية
الثراء السريع فكرة خاطئة وتوصلك للهاوية
المحتالون يستخدمون “إخراجا مسرحيا مقنعا” يشارك فيه مشاهير أحيانا
أي استثمار بعائد يتجاوز 8 % هو أمر مشكوك فيه
بافيت: لا أحد يريد أن يصبح ثريا ببطء وهذا هو جوهر المشكلة
غياب السؤال عن التراخيص الرسمية ثغرة كبرى يستغلها المحتالون
ضحايا يسكتون ومستثمرون “مدفوع لهم” لإيهام الناس بجدوى المشروع
ضمان الأرباح يعني استثمارًا ذا مخاطر مرتفعة أو وهميًا
الطريق السريع غالبا ما يؤدي إلى الهاوية وليس إلى الثراء
خسائر مالية واجتماعية تضرب ثقة العوائل
لم يكن البحرينيون يوما شعبا مقامرا أو باحثا عن الغنى بأي ثمن، لكن وهم الثراء السريع نجح في أن يسلب العقول ويعمي البصائر، ويفتح أبوابا واسعة ضاعت خلفها ملايين الدنانير، وخلفت آلامًا تقاس بالأميال، وكانت النتائج كارثية أدت إلى انهيار أسر بأكملها.
وفي بلد صغير كالبحرين، لم تكن الحكايات الكبرى تأتي عادة من شوارع جانبية أو وجوه عابرة، إلا أن حلم الثراء الخاطف صنع قصصا حقيقية تشبه الأساطير السوداء، قصصا التهمت أحلام الناس ومدخراتهم، وتركت خلفها جروحا لم تندمل حتى اليوم.
عشرون عاما مضت منذ بدأت أولى الشرارات الكبرى، حين اندفع كثيرون من الذين أغرتهم لغة الثراء السريع للاستثمار في البنوك الإيرانية على وقع عوائد سنوية تصل إلى 20 % على قيمة رأس المال المستثمر، وهذا إغراء الذي وصف وقتها بالمذهل جعل البعض يبيع الذهب، ويقترض من البنوك، بدافع واحد: الطريق الأقصر نحو الثراء.
الموجة اجتاحت المجتمع كالنار في الهشيم، موقظة طمعا دفينا ومعلنة بداية رحلة السقوط، دون أن ينتبه أحد إلى مؤشرات الخطر الكامنة خلف ذلك؛ فالدولة الإيرانية غارقة في بحر من العقوبات الاقتصادية وعملتها تترنح في مهب الانهيار.
من 420 إلى 6 دنانير
قبل نحو عشرين سنة بدأت موجة الاستثمار في إيران، حينما كان سعر المليون ريال الإيراني 425 دينارا بحرينيا، وبعدها بأشهر بدأ نزف العملة وتدرجت في الهبوط حتى وصلت في أشهر إلى 320 دينارا للمليون ريال، وهكذا دواليك إلى أن وصل سعر المليون ريال إلى 6 دنانير بحرينية فقط الآن؛ وبذلك فقد الكثير من البحرينيين هوامش كبيرة من أموالهم التي وضعوها في البنوك الإيرانية بحثا عن ثراء بوقت قياسي.
ولم يرفع المجتمع البحريني رأسه كثيرا بعد نكسة الريالات الإيرانية حتى طلت قضية ما يتعارف عليه بـ “كفاح” برأسها، وبهذا جاءت الضربة الأقسى: قضية “كفاح” التي هزّت المجتمع البحريني من أقصاه إلى أقصاه، واجتاحت البيوت مثل إعصار.
رجل بسيط، لا يملك تاريخا استثماريا ولا يتكئ على خبرة مالية، لكنه امتلك ما هو أخطر: قدرة على اختراق الجيوب والقلوب بكلام منمق وأحلام جاهزة للتسليم. جمع الملايين من أموال الناس بحجة استثمارها بعوائد خيالية، ووزّع جزءا من الأرباح لإثبات المصداقية، حتى تحوّل إلى “وجيه” اجتماعي بفضل تبرعاته السخية للمبرّات الخيرية.
وكان المشهد الأكثر عبثية حين اكتُشف أن الأموال كانت تُخزّن في صناديق موز، في صورة تلخص الجنون الجماعي الذي أصاب المجتمع آنذاك. سقط القناع، وانكشفت الحقيقة القاسية: استثمار وهمي خلّف مئات القضايا ووجعا إنسانيا يئن في البيوت حتى اليوم.
درس السقوط
لكن السقوط لم يكن درسا كافيا؛ فمنذ تلك اللحظة والمجتمع يغرق في سلسلة لا تنتهي من استثمارات وهمية وشركات احتيال، تتبدل الأسماء وتتغير الواجهات، بينما الضحية واحدة دائما: المواطن الذي يطارد حلما لامعا ينتهي غالبا بكابوس مؤلم، وصولا إلى أحدث الفصول: قضية منصة “صفقات” لتداول الأسهم، التي التهمت 6 ملايين دينار وخلّفت وراءها أكثر من ألف ضحية وألف قصة انكسار جديدة.
انهيار رجل
لكن إذا كانت تلك النتائج فما هي الدروس المستخلصة؟
الواقع والوقائع يشيران إلى أن ما كان يحدث لم يكن درسا كافيا؛ ولأن الأمر كذلك غرق المجتمع في سلسلة طويلة لا تنتهي من استثمارات وهمية وشركات احتيال.
ولأن الواقع يتحدث عن نفسه فها هو يروي لنا سردية قصة ذلك الرجل الذي انهار أمام الثراء، فماذا تقول السردية؟
كان معيل إحدى العائلات البحرينية يقف في منتصف العمر محملا بالأحلام ذاتها التي سكنت قلوب كثيرين من أبناء جيله. كان حلمه بسيطا لكنه ثمين: أن ينتشل أسرته من ضيق الدخل إلى فسحة العيش، أن يشتري سيارة تليق بتعب السنين، أن يقطن في فيلا أكبر من منزله الذي يعيش فيه، فيلا تتسع لأحلام أطفاله، وأن يضعهم على طريق مستقبل آمن لا يعرف الحاجة.
قبل نحو سبعة عشر عاما، أخبره أحد الوسطاء بأن الحل السحري قريب، استثمار مضمون، أرباح تفوق الخيال، وعائد سنوي يُضاعف رأس المال بلا مجهود؛ ولأنه مثل غيره، كان يثق ثقة عمياء وفوق ما كان ينبغي، جمع كل ما يملك من مدخرات، واقترض من البنوك ما لم يكن قادرا على سداده، وسلّم عشرات الآلاف من الدنانير في لحظة كانت بالنسبة له بابا نحو حياة جديدة، لكن الباب الذي فتحه لم يكن طريقا للثراء بل كان هاوية.
وعلى حين غرة، تبخرت الأموال كما يتبخر الماء على صفيح ساخن، اختفى الوسيط، وتبخرت الوعود، وتحوّل الحلم الكبير إلى كابوس ثقيل يسكن صدره ليل نهار، ومع توالي مطالبات البنوك التي تجاوزت 120 ألف دينار، اكتشف الرجل أنه لم يخسر المال فقط، بل خسر كل ما كان يستند إليه من ثقة وتماسك؛ إذ استدان من البنك برهن منزله واضطر البنك إلى أن يأخذ منزله بعد تخلفه عن سداد دينه.
لم يحتمل الصدمة وتطورت وتحوّلت إلى إعصار اكتئاب اجتاح أعماقه ومزقها شيئا فشيئا، حتى وجد نفسه عاجزا عن النهوض من فراشه أو مواجهة عيون أسرته، مستسلما لصمت طويل وقاسٍ، انتهى به إلى سرير في مستشفى الطب النفسي، يرقد في جناح العزلة، بعيدا عن صخب العالم الذي خذله.
وأما في الخارج - أي المحيط الأسري - فكانت أسرته تحصي الأيام والديون والوجع، بينما ظل السؤال معلقا في الهواء: كم من الأسر البحرينية دفعت الثمن ذاته؟ وكم من الأحلام ما زالت تُدفن في صمت؟
طريق الانتحار
لم تكن كل القصص التي رافقت موجة الثراء السريع قصص طمع أو اندفاع أعمى، فبينها ما كان أكثر ألما وأشد قسوة على القلب، قصة رجل عرفه الناس بالإيمان والتقوى، رجل كان اسمه مرادفا للصدق والنزاهة، يشار إليه في مجالس الخير، ويوثق بحكمته واستقامته، ولم يكن يوما ممن يطمعون في مال أو يسعون وراء سلطة أو وجاهة.
لكن اللحظة التي اجتاحت المجتمع قبل أكثر من عقدٍ من الزمن، حملت معها قوة جارفة عصفت بالجميع. تحت سطوة موجة الاستثمار التي أغرت الناس بعوائد تفوق الخيال، وجد الرجل نفسه ـ مثل كثيرين ـ داخل القطيع، يظن أنه يفعل خيرا، وأنه يساعد الآخرين على تحسين حياتهم؛ فقام بجمع أموال من معارفه وجيرانه وأصدقائه، وسلمها إلى الرجل الذي تبيّن لاحقا أنه أحد أكبر المحتالين في تلك الأزمة؛ إذ استولى على ملايين الدنانير من المواطنين في ذلك الوقت.
وفي العام 2010، حين انفجرت الفقاعة وتكشف المستور، لم يكن وقع الصدمة عاديا. لم يكن الرجل قد خسر ماله فقط، بل خسر ما هو أثمن: ثقة الناس التي عاش عمره يحفظها. وفي لحظات الانهيار تلك، تحولت الوجوه التي كانت تبتسم له وتصافحه إلى وجوه تطالبه وتصرخ في وجهه: “أعد لنا أموالنا!”.
ولأنه كان تقيا يخاف الله بحق، لم يحتمل ثقل الألم ولا حجم الذنب الذي لم يرتكبه بيده، بل كان مجرد حلقة في سلسلة خداع أكبر منه ومن الجميع. تحولت الأيام إلى حصار خانق، وتراكم الضغط النفسي حتى مزق أعصابه، وانتهى به الأمر إلى خطوة مأساوية لم يتوقعها أحد ممن عرفوه: أقدم على الانتحار بعد أشهر من افتضاح القضية.
رحل الرجل بصمتٍ موجع، تاركا وراءه عشرات الأسئلة التي لم تجد إجابة، وبيتا مفجوعا، وأناسا ندموا كثيرا حين أدركوا أنهم كانوا جزءا من حصار دفعه إلى حافة الهاوية.
ولم تزل القصة تتردد في المجالس حتى اليوم كتنهيدة ثقيلة: أن ليس كل من وقع ضحية الطمع كان طامعا، وأن للانهيارات المالية ضحايا أبرياء لا يحملون من الخطيئة سوى الثقة الزائدة.
وداعا للودائع
لم تكن الحكاية مجرد مغامرة مالية، بل كانت حلما فخما بحياة مترفة رسمتها الأرقام اللامعة على الورق. اثنان من الأقرباء، يجمعهما الدم والطموح نفسه، قررا قبل نحو عشرين عاما أن يضعا مبلغا ضخما في أحد البنوك الإيرانية كوديعة بعائد سنوي يصل إلى 20 %، نسبة كانت في ذلك الوقت كفيلة بأن تُسكِر العقول وتغري أصحاب الدخل المحدود والمتوسط على حد سواء.
كانا يجلسان ساعات طويلة يتخيلان تلك العوائد “الهائلة”، يناقشان كيف سيصرفان أرباحهما السنوية: سيارات فاخرة، مشاريع تجارية، حياة رغيدة لأبنائهم، وربما تقاعد مبكر بلا قلق. لكن شأنهما كان شأن كثير من الناس، إذ تجاهلا ما كان واضحا للخبراء: إيران دولة تعيش تحت عقوبات اقتصادية خانقة، وتعاني تضخما كان قد وصل آنذاك إلى نحو 40 %، إضافة إلى انهيار تدريجي في قيمة العملة.
عندما أودعا أموالهما، كان سعر المليون ريال إيراني يعادل 325 دينارا بحرينيا، ثم بدأت الأشهر تمضي، ومعها يتهاوى الريال الإيراني بلا رحمة، صار المليون ريال يساوي 220 دينارا فقط. كان النزيف سريعا بحيث لم يعد العائد السنوي قادرا على تعويض ما يخسرانه يوما بعد يوم في سعر الصرف.
القلق حاصر الرجلين، وبدأت الحسابات تنهار مثل قطع الدومينو. تقرر السفر إلى إيران بحثا عن حل أخير قبل أن تتحول الوديعة إلى رماد، وهناك توصلا إلى خيار بدا جنونيا لكنه – في ذلك الوقت – كان طوق النجاة الوحيد: الزواج من سيدتين إيرانيتين لسحب الودائع وتحويلها إلى أصول عقارية، بعد أن اصطدما بحقيقة قانونية قاسية: القانون الإيراني يمنع الأجانب من تملك العقارات.
هكذا، تحولت رحلة الاستثمار إلى رحلة زواج اضطراري، لا يحمل المشاعر ولا الرغبة، بل الرغبة في حماية ما تبقى من المال. نجحا في سحب الودائع، وشراء عقارات بحجم ما بقي من قيمتها، لكن الثمن كان أكبر بكثير من المال: حياة شخصية مرتبكة، عائلات مضطربة، ومصير مالي ظل معلقا لسنوات طويلة.
إخماد النزعة
قال الخبير الاقتصادي الدكتور أكبر جعفري في تعليله، إن من طباع الكثير من البشر الميل إلى الطمع والرغبة الجامحة في الثراء السريع، وهو ما يجعلهم يقعون مرارا في شباك النصب والاحتيال والاستثمارات الوهمية.
ودعا إلى ضرورة إخماد نزعة الطمع الكامنة داخل كل فرد، والتأكد والتدقيق قبل الدخول في أي عرض تجاري أو فرصة استثمارية، مضيفا “قد يخفي أي عرض تجاري غير مدروس خدعة محكمة للنصب والاحتيال؛ لذلك لا بد من التثبت جيدا قبل اتخاذ أي قرار مالي”.
ولفت أكبري إلى أنه لا يمكن تحقيق أرباح تعادل رأس المال في ستة أشهر، عادّا أي ادعاء من هذا النوع مؤشرا واضحا على الاحتيال، مؤكدا أن الاحتيال ظاهرة عالمية وغير مقتصرة على البحرين وحدها، لافتا إلى أنه “مؤخرا وقع أحد أعضاء الكونغرس الأميركي ضحية لعملية نصب واحتيال؛ ما يعكس أن هذه الممارسات تستهدف الجميع بلا استثناء”.
وأشار إلى أن العروض الاستثمارية الوهمية تستغل الطمع الداخلي لدى الأفراد، وأن النصابين عادة أشخاص أذكياء يوظفون دهاءهم في بناء الحيل المالية المعقدة لإيقاع الناس في فخاخ مربحة شكليا وخاسرة فعليا.
وشدد أكبري على أن أفضل علاج لهذه الظاهرة هو الوقاية، قائلا “يجب ألا نمنح هذه الفرص الوهمية مساحة للدخول إلى حياتنا أو قراراتنا المالية”.
وفيما يتعلق بالمواطنين الذين أودعوا أموالهم في البنوك الإيرانية التي أعلنت عوائد سنوية تصل إلى 20 % على الودائع، أوضح أن كثيرا منهم لم يمتلكوا المعرفة بطبيعة هذا النوع من الاستثمارات، ولم يدرسوا المخاطر المحيطة بالسوق المالية في إيران، مضيفا “فكر هؤلاء فقط في حجم الأرباح وأغفلوا المخاطر؛ ولذلك وقعوا ضحايا للاستثمارات غير المدروسة”.
وختم دعوته للمواطنين قائلا “التفكير بعقلانية والبحث والتحقق خطوة أساسية لحماية مدخراتنا من الضياع”.
الأسئلة الكبرى
وأمام الأسئلة الكبرى المثارة من صميم هذه القضايا، ماذا يقول علم النفس في تقييمه لما سبق طرحه؟
الأخصائية النفسية إيمان نور الدين في إجابتها عن أحد الأسئلة الكبرى، أوضحت أن ظاهرة الوقوع المتكرر في عمليات النصب والاستثمار الوهمي تتكرر بشكل لافت في العشرين سنة الأخيرة، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: لماذا نقع في الفخ ذاته مرة بعد أخرى؟
وبينت الأخصائية نور الدين أن كثيرا من الأشخاص يعيشون في حالة دائمة من القلق المرتبط بالمال؛ الأمر الذي يجعل الجهاز العصبي في وضع البقاء الذي يعطل مناطق الحكمة والتفكير العقلاني في الدماغ؛ فيتحول القرار المالي إلى قرار متسرع ومتهور يُبنى على الخوف بدلا من التحليل والواقعية، ويُرى الاستثمار الخطِر وكأنه خطوة مضمونة النجاح.
وأضافت أن الخسائر المتكررة تزيد الأمر سوءا؛ إذ إن الخجل من الفشل والرغبة في إثبات القدرة يدفعان الضحية لمحاولات تعويض سريعة وغير مدروسة؛ ما يفتح الباب لخسائر أكبر؛ فيدخل الفرد في دائرة مغلقة من الهلع والاندفاع.
وأكدت الأخصائية أن المجتمع غالبا ما يعالج العَرَض بدلا من المصدر الحقيقي للمشكلة؛ فيركز على سوء الاستثمار وليس على الضغوط النفسية المتراكمة، مؤكدة أن كل خسارة تجعل الشخص في وضع أسوأ، وأن كل قرار لاحق يأتي من الإحساس باليأس والقلق وليس من التقييم الهادئ.
وختمت بتأكيد أهمية الوعي الذاتي لحظة اتخاذ القرار المالي، متسائلة “عندما ترى فرصة أمامك، هل قرارك نابع من الحكمة والهدوء؟ أم من الهلع واليأس؟”.
سلوكيات متهورة
إلى ذلك، حذرت الباحثة والمختصة النفسية والأسرية ندى نسيم من أن السلوكيات المالية المتهورة التي يقع كثيرون ضحية لها، خصوصا في قضايا الاحتيال والاستثمار الوهمي، لا ترتبط فقط بالطمع أو سوء التقدير، بل تعود في جوهرها إلى دوافع نفسية عميقة تشكل نمطا سلوكيا يتكرر باستمرار على رغم الخسائر المتراكمة.
ولفتت في حديثها إلى أن الانغماس في وهم الثراء السريع والرغبة العارمة في التخلص من ضيق المعيشة والانتقال إلى الاكتفاء المالي، يدفعان الأفراد إلى تصديق الوعود الخيالية دون تفكير متأنٍ، موضحة أن هذا النمط يتحول بمرور الوقت إلى حالة شبه إدمانية تتسم بالاندفاعية والقرارات العاطفية غير المحسوبة.
وأوضحت أن الشخص المتورط في هذا السلوك يضع آمالا واسعة على أحلام لا تلامس الواقع، مدفوعا بصوت داخلي يوهمه بأن “هذه المرة ستكون مختلفة” وأن الربح مضمون، على الرغم من أن التجارب السابقة تثبت العكس.
وكشفت نسيم عن أن بعض الأفراد غير قادرين على التصالح مع ظروفهم القاسية؛ فيلجؤون إلى طرق سريعة ووهمية لتحقيق أحلامهم دون النظر إلى النتائج المحتملة، مشيرة إلى أن الاعتماد على المشاعر بدلا من العقل في اتخاذ القرارات المصيرية يؤدي في كثير من الأحيان إلى الانهيار المالي والنفسي.
وأكدت أن العقل البشري يميل بطبيعته إلى الإدمان على المألوف حتى لو كان مؤذيا؛ ما يجعل بعض الأشخاص يشعرون براحة مؤقتة عند تكرار السلوك الخاطئ؛ الأمر الذي يوقعهم في دوامة يصعب الخروج منها.
واختتمت ندى نسيم حديثها بالقول إن الوعي والاعتراف بالمشكلة هما الخطوة الأولى لكسر الحلقة، داعية إلى تعزيز الثقافة المالية والنفسية لحماية الأفراد من الوقوع في فخ الوعود البراقة التي تنتهي غالبا بكوارث صامتة.
إقرأ المزيد
إقرأ المزيد


